حضارة الاسلام مقال للشيخ أبي عبيدة الزاوي

[منتدى اهل الحديث]

حضارة الاسلام
بسم الله الرحمن الرحيم : من المستقبح ان يصور الاسلام انه دين ضد الحضارات ، والحضارة تستمد القيم منه، او ان المسلمين أعداء التحضر ، كل هذا اساسه صراع الحضارات ، التي تنشأ على أمرين ، الأخذ بأسباب التحضر ، والتشويه لما يسبقها ، وهذا قايم على نظرية استحالة اجتماع حضارتين ، مع ان الواقع أبطلها ، وقد اجمعوا أن خصمهم في حضارتهم هي حضارة المسلمين ، ولذلك ناصبوا لها العداء ، فما اروع ما كتبه ابو الحسن الندوي في كتابه ( ماذا خسر العالم بسبب انحطاط المسلمين ) استهله باجماع للمؤرخين على كافة اتجاهاتهم قولهم : لو انصف العالم نفسه لاتخذ يوم سقوط حضارة المسلمين عزاء يتعزون به ، وما دونه صاحب كتاب حضارة الهند قوله : من الانصاف ان نقول ان مؤسس حضارة الهند هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم فسرها بان اصل الحضارة هو تحرير العقل ، ولم يتحرر عقول أهل الهند الا بعد ان دخل الاسلام فنقلهم من عبادة الحجر والفأر الى التفكير في خالقهم ، وَمِمَّا رأيت من روائع الكتب في هذا الباب كتاب لقسيس إسباني ، كان يعد عندهم اعلم أهل الارض اسمه جوزيف ماك كيب ، في كتابه الموسوم ترجمةً ( مدنية المسلمين في الأندلس ) فمع انه قسيس كان يتسخط على الكنيسة ، وصورها انها غدو الحضارة في قوله : ان اخراج المسلمين من الأندلس كلّف العالم التأخر في حضارته خمسمائة سنة الى الخلف ، فَلَو بقي المسلمون في الأندلس لكانت حضارة العالم نضير ما سيصل إِليه في ألفين وخمسمائة ، ألم يعترف الغرب بقدر مؤسس هذه الحضارة ، حتى قال قائلهم : لو كان محمدا حيا لحل مشاكل العالم وهو يتناول فنجان قهوة، اين حضارة العدل منهم ؟ يقف عمر ويقول : والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لماذا لم تصلح لها الطريق يا عمر ، سلوا العالم من أسس اغلب علوم الطب والفلك ومن ابتكر علم الرياضيات ، حتى سموا قرونا بقرون الخوارزمي ، بل من فك كتب ارسطو من سجونها عجزا منهم الا ابو علي الفارابي وتلاه ابن سينا ، هل تعلم ان اول خريطة للعالم كانت في على طاولة المأمون ، ولم يكن لها كثير اختلاف عما تراه الان ، يقول جوزيف : ان من تعظيم المسلمين للعلم كان راتب أحد علمائهم وهو زرياب الغرناطي اكبر من راتب رئيس أمريكا في هذا الزمن ، هل تعلم ان اثار المسلمين في الأندلس مازالت محل بحث وخفاء وتعجب ، هل تعلم ان العالم المتفنن في العلوم في زمن حضارة المسلمين يعرف بلبسه لعمامة المسلمين فوق راْسه وان كان يهوديا ، هل تعلم ان اللغة العربية كانت تسمى بلغة العلم ، حتى كان بعضهم يقول : لان أهجى بالعربية احب الي من ان امدح بلغتي ، الم تعلم ان تركت العلم السابقة أكثرها موروث إسلامي ، أينما اتجهت في أوربا وأمريكا واسطنبول ، فبالله عليك علم يحجب دخانه سماء الأندلس حين احرقوا الكتب ، ويغير لون البحر حين وضع التتار الكتب في دجلة ليمروا فوقها ، فأمة يغير تراثها لون البحر، ويحجب سماء الأندلس ، أليست أمة قد بلغت عنان السماء في حضارتها ، لا زلنا اصحاب الحضارة حتى تركنا هذا الدين ، لن تجد فن من الفنون الا وأساسه اصحاب هذا الدين، حتى في الأطعمة ، كان يجتمع على مائدة هارون الرشيد خمسمائة لون من الأطعمة ، الم يرسل هارون الرشيد الى ملك الروم بالساعة فخاف منها وادعى انها سحر ، الم يولف قايد القوات الألمانية التركيه في الحرب العالمية الثانية كتابا في فنون الحرب باسم ( قائدي ومعلمي خالد بن الوليد ) ، الم يؤسس ابن خلدون علم الاجتماع ، وكتابه المقدمة مرجعهم في معرفة الامم بما لم يأت من بعده بربعه ، الم يكن كتاب الفهرست للنديم أعجوبة للمتاخرين ، وهو مؤلف في القرن الرابع هجريا .
وإذ أتكلم أشير الى ان لنا ماض عريق جدير ان يكون مثلا في بناء المستقبل ، وانا لسنا أمة بدون هوية كما يقول بعضهم ، بل قدنا العالم ، وسوف نقوده من جديد ، قال الشاعر:
مالي وللنجم يرعاني وارعاه ........ أمسى كلانا يخاف الغمض جفناه
اني تذكرت والذكرى مورقة ......... عهدا تليداً بايدينا أضعناه
أنى اتجهت الى الاسلام في بلد .... أبصرته كالطير مقصوص جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها ....... وبات يملكنا شعبا ملكناه
استرشد الغرب بالماضي فأرشدهم ........ وكان لنا ماض نسيناه
ادع الله ان يمن على هذه الامة بأمر رشد ، يرد الناس الى دينهم ، في البناء والتوعية والحضارة وصلى الله على نبينا محمد

إعجاب · · مشاركة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك