
02-04-2016, 01:09 PM
|
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 480,250
|
|
الاتكاء على المخصرة ونحوها في الخطبة
الاتكاء على المخصرة ونحوها في الخطبة
فعن شُعَيبُ ابن رزَيقٍ الطائفيُّ، قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - يقال له: الحكم ابن حَزْنٍ الكُلَفي ، فأنشأ يحدّثنا قال: وفَدْتُ إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - سابع سَبعةٍ، أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسولَ اللهِ، زُرناك فادعُ اللهَ لنا بخير، فأمَرَ بنا - أو أمر لنا -، بشيءٍ مِن التمرِ، والشأنُ إذ ذاك دُونٌ، فأقمْنَا بها أياماً شهدنا فيها الجُمعَةَ مَعَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - فقامَ متوكِّئاً على عصاً - أو قوس - فَحَمِدَ الله، وأثنى عليه كلماتٍ خفيفاتٍ طيباتٍ مباركاتٍ، ثم قال: "أيُّها الناسُ، إنكم لن تُطِيقُوا - أو لن تفعلوا- كل ما أُمِرتُم به، ولكن سَددُوا وأبشِرُوا" . رواه أبو داود (2/ 318) 1096،228 - باب الرجل يخطب على قَوْس وإسناده قوي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 292) 5750 بَابُ الْإِمَامِ يَعْتَمِدُ عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا إِذَا خَطَبَ، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 78)616
الحديث فيه مشروعية الاعتماد على سيف أو عصا حال الخطبة. قيل: والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث، وقيل: إنه أربط للجأش. وفيه أيضا مشروعية اشتمال الخطبة على الحمد لله والوعظ ...وأما الحمد لله، فذهب الجمهور إلى أنه واجب في الخطبة. نيل الأوطار (3/ 319)
فإن لم يجد ما يعتمد عليه أرسل يديه أو وضع اليمنى على اليسرى أو على جانب المنبر ويكره دق المنبر بالسيف إذ لم يؤثر فهو بدعة. سبل السلام (1/ 418)
وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمُصَلَّى يَوْمَ أَضْحَى، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِ يَوْمِكُمْ هَذَا الصَّلَاةُ "، قَالَ: فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَأُعْطِيَ قَوْسًا، أَوْعَصًا، فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ، وَنَهَاهُمْ ... الحديث، رواه أحمد في المسند (30/ 445) 18490، وأبو داود (2/ 352) 1145،248 - باب يخطب على قوْس ، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 244)1678
وعن عامر ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم -: كانَ يَخْطُبُ بِمِخْصَرَةٍ في يَدِهِ. أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (1/377) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (7/ 79)3037
المسألة الأولى: حكم الاتكاء على قوس، أو عصا، أو سيف، أو نحوها.
القول الأول:
يستحب أن يتوكأ الخطيب في خطبته على قوس أو سيف أو عصا أو نحوها، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة
واستدلوا بأحاديث الباب، وقالوا إن الحكمة من ذلك عندهم:
لئلا يعبث بيده في لحيته عند قراءته للخطبة،
وإن ذلك تهييب للحاضرين وإشعار بأن من لم يقل تلك الموعظة فله العصا فإن تمادى قتل بالسيف أو القوس،
وإشارة إلى أن الدين قام بالسلاح، وفتح به،
ولأن ذلك أعون للخطيب، وأمكن له.
(تنبيه)
المراد القوس العربية لطولها واستقامتها بخلاف الرومية فإنها قصيرة غير مستقيمة، هذا ما حدده المالكية دون جمهور الفقهاء.
القول الثاني:
وذهب الحنفية إلى أن المستحب للخطيب أن يتكئ على السيف فقط في كل بلدة فتحت عنوة،
والحكمة من ذلك عندهم:
يريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك السيف باق في أيدي المسلمين نقاتلكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام،
ويكره أن يخطب متكئا على قوس أو عصا.
وأما إذا فتحت البلاد بغير السيف، فيستحب أن يتوكأ الخطيب في خطبته على نحو قوس على نحو ما ذهب إليه الجمهور.
الترجيح: لا شك أن مذهب الجمهور هو المذهب الراجح، وهو الصحيح في المسألة لصحة الأدلة وصراحتها على الحكم.
مذهب الإمام ابن القيم في المسألة:
فقد جعل ابن القيم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم -هذا قبل اتخاذ المنبر، أما بعده فلم يعتمد على شيء، لكن ليس في الأحاديث السابقة دلالة على ذلك، والله أعلم.
فقد قال في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 414):
ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره، وإنما («كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر،» ) وكان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمد على عصا. ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف،
وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائما، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف، فمن فرط جهله، فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا البتة وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس. اهـ
وقد قال قبل ذلك: «وكان إذا قام يخطب أخذ عصا فتوكأ عليها وهو على المنبر»، كذا ذكره عنه أبو داود عن ابن شهاب. وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك، وكان أحيانا يتوكأ على قوس، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف،
وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين:
أحدهما: أن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم توكأ على العصا وعلى القوس.
الثاني: أن الدين إنما قام بالوحي، وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك، ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب فيها إنما فتحت بالقرآن ولم تفتح بالسيف. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 182)
فأنت ترى هنا ابن القيم رحمه الله، لم يفصل الكلام كما فصل في الوضع السابق ذكره، والتفصيل متأخر عن كلامه في أول كتابه، فيحتمل أن يكون هو المعتمد عنده، لاسيما وقد نصَّ في كلامه على عدم اتخاذه صلى الله عليه وسلم للعصا بعد اتخاذه المنبر، ويحتمل أن يكون كلامه رحمه الله هنا هو المعتمد على أنه لا فرق بين ما كان قبل اتخاذه المنبر وما كان بعد اتخاذه المنبر بدليل استمرار فعل الخلفاء الثلاثة من بعده.
وأيضاً فإننا لا ندري ما هو الدليل على ما ذكره ابن القيم من التفريق بين ما كان قبل اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر وبين ما كان بعده.
(فائدة): الاتكاء على العصي أثناء الخطبة من عمل السلف الأول بدون تفريق :
قال مالك: وذلك مما يستحب للأئمة أصحاب المنابر أن يخطبوا يوم الجمعة ومعهم العصي يتوكئون عليها في قيامهم وهو الذي رأينا وسمعنا. المدونة (1/ 232)
وإنما استحب ذلك لفعله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده. الفواكه الدواني (1/ 261)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 83)
وكان الخلفاء الثلاثة بعده يفعلون ذلك. زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 182)
مذهب الشيخ ابن عثيمين في المسألة:
أن الاعتماد إنما يكون عند الحاجة، فإن احتاج الخطيب إلى اعتماد، مثل أن يكون ضعيفا يحتاج إلى أن يعتمد على عصا فهذا سنة؛ لأن ذلك يعينه على القيام الذي هو سنة، وما أعان على سنة فهو سنة، أما إذا لم يكن هناك حاجة، فلا حاجة إلى حمل العصا. الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 62)
وهذا القيد لم يذكره من سبق من فقهاء المذاهب الأربعة لاسيما الحنابلة ولا هو منصوص عليه في الأدلة، وسبب هذا التقييد هو موافقة الشيخ للتفصيل الذي ذكره ابن القيم، وقد أوردت فيما سبق أنه تفريق لا دليل عليه،بل هو خلاف عمل الخلفاء بعد رسولنا الكريم .
المسألة الثانية : اليد التي يمسك بها ذلك .
القول الأول :
ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يمسك بالسيف في يده اليسرى استحباباً، وهو متكئ عليه، لأنه العادة في مريد الضرب والرمي في الجهاد به وليس هذا تناولا حتى يكون باليمين بل هو استعمال وامتهان بالاتكاء فكانت اليسار به أليق.
القول الثاني:
وذهب المالكية إلى أن المستحب أن تكون المخصرة في يمينه.
الترجيح: والصواب والله أعلم هو مذهب جمهور الفقهاء ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويدعوا ويرفع إصبعه داعياً ولا شك أنها إصبع اليد اليمنى، وبضرورة الحال فإن العصا ستكون في يساره ، والله أعلم .
فرع : ويستحب أن يشغل يده الأخرى بأن يضعها على حرف المنبر، عند الشافعية والحنابلة .
المسألة الثالثة: ما يفعل بيديه إذا لم يتكئ على شيء.
فيستحب أن يسكن أطرافه بأن يضع اليمنى على اليسرى،
أو يرسلهما ولا يحركهما ولا يعبث بواحدة منهما، والمقصود الخشوع والمنع من العبث.
وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، ولم يخالفهم في ذلك أحد.
فرع: وهل يقوم حرف المنبر مقام العصا إذا لم يجدها؟
قال الشافعية: ولو أمكنه شغل اليمين بحرف المنبر وإرسال الأخرى فلا بأس.
(تنبيه آخر)
هل قام الدين بالسيف فقط؟
يقول العلامة العثيمين: ثم إن تعليلهم بأنه إشارة إلى أن هذا الدين قام بالسيف فيه نظر أيضا.
فالدين لم يفتح بالسيف؛ لأن السيف لا يستعمل للدين إلا عند المنابذة، فإذا أبى الكفار أن يسلموا أو يبذلوا الجزية فإنهم يقاتلون، أما إذا بذلوا الجزية فإنهم يتركون، وهذا هو القول الذي تدل عليه الأدلة.
ثم إن المسلمين لم يفتحوا البلدان إلا بعد أن فتحوا القلوب أولا بالدعوة إلى الإسلام، وبيان محاسنه بالقول وبالفعل، وليس كزمننا اليوم نبين محاسن الإسلام بالقول إن بيناه، أما بالفعل فنسأل الله أن يوفق المسلمين للقيام بالإسلام، فإذا رأى الإنسان الأجنبي البلاد الإسلامية، ورأى ما عليه بعض المسلمين من الأخلاق التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، من شيوع الكذب فيهم، وكثرة الغش، وتفشي الظلم والجور استغرب ذلك، ويقول: أين الإسلام؟! فالإسلام في الحقيقة إنما فتحت البلاد به، لا بالسيف، والسيف يستعمل عند الضرورة إليه، إذا لم يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، كما سبق.
وأيضا: لا نستعمل السيف إلا بعد القدرة، أما إذا كان أعداؤنا أكثر منا بكثير وأقوى منا فإن استعمال السيف يعتبر تهورا، ولهذا أباح الله لنا ألا نقابل أكثر من مثلينا قال تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين *} [الأنفال].
وفيه أيضا: حجة للكفار حيث يقولون: إنكم أنتم أيها المسلمون فتحتم بلادنا في الأول بالقوة، لا بالدعوة. الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 62)
وأزيد على ذلك فأقول:
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/263):
"فالمقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الله اسم جامع لكلماته التي تضمنها كتابه، وهكذا قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) فالمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط في حقوق الله وحقوق خلقه ثم قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد، ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف. وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا يعنى السيف من عدل عن هذا يعنى المصحف اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في "الفروسية" (ص 18):
وبعثه الله تعالى -يعني النبي صلى الله عليه وسلم -بالكتاب الهادي، والسيف الناصر، بين يدي الساعة حتى يعبد سبحانه وحده لا شريك له، وجعل رزقه تحت ظل سيفه ورمحه . . . فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان، كلاهما في نصره أخوان شقيقان اهـ.
راجع :
حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 515)،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 160)،الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار للحصكفي(ص: 111)،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 172)،البناية شرح الهداية لبدر الدين العيني (3/ 63)
شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 83)،حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 507)،الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (1/ 382)،حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 374)،الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 261)،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 382)
المجموع شرح المهذب (4/ 528)،روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 32)،تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (2/ 462)،حاشية الجمل على شرح المنهج = فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (2/ 36)،حاشيتا قليوبي وعميرة وشرح العلامة جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين (1/ 327)،كفاية النبيه في شرح التنبيه (4/ 351)،العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (2/ 296)،بحر المذهب للروياني (2/ 396)
المغني لابن قدامة (2/ 229)،كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 36)،شرح منتهى الإرادات = دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 317)،الشرح الكبير على متن المقنع (2/ 186)،الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 62)
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|