07-19-2015, 11:33 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 358,792
|
|
(012)الدعوة إلى الإسلام في أوربا-عقبات في طريق الدعوة إلى الإسلام في أوروبا
1ـ تمهيد:
إن الإمكانات المتوافرة في أوروبا، وفي الغرب بصفة عامة، مغرية لمن يريد أن يدعو إلى الله تعالى هناك، ولو أن المسلمين تكاتفوا دعاة وعلماء وساسة وأغنياء وغيرهم، كلٌّ فيما يقدر عليه، ونسقوا فيما بينهم للدعوة إلى الله في الغرب لآتى ذلك ثماره بإذن الله! ولكن تلك الإمكانات المتاحة التي لم يستغلها المسلمون تقابلها عقبات، كل واحدة منها تحتاج إلى عمل جاد وإخلاص فيه لله وعزم وتصميم على دكها وتحطيمها.
والذين يتفاءلون كثيراً بتلك الإمكانات، ولا يحسبون حساباً لهذه العقبات، ويرون أن الإسلام سينطلق من أوروبا كما انطلق قبل من دولة آل عثمان، ويرون كذلك صعوبة انطلاقه من البلدان الإسلامية، وبخاصة الدول العربية التي ابتعد أكثر حكامها عن تطبيق شريعة الإسلام، بل حاربوا تطبيقه ودعاته، نظرة المتفائلين هذه مبالغ فيها لكثرة العقبات وقوتها.
2 ـ سببان وموقفان:
وقبل أن أسرد أهم العقبات التي تعترض الإسلام وانتشاره في الغرب، لا بد من الإشارة إلى السبب الرئيس الذي جعل أهل الغرب يعطون المسلمين شيئاً من الحرية في الدعوة إلى دينهم، ومحاولة المحافظة عليه فيما بينهم وتعليم أولادهم إذا استطاعوا.
وكذلك لا بد من الإشارة إلى السبب الرئيس الذي جعل أعداء الإسلام من المنافين في الشعوب الإسلامية يكممون أفواه الدعاة إلى الله، ويحرمون المسلمين من سماع كلمة الحق، وصب أنواع الأذى على دعاة الإسلام، من الاضطهاد والسجن والتشريد والقتل.
فإن بيان هذين السببين: السبب الذي جعل زعماء الكفر في الدول الأوربية يعطون شيئاً من الحرية للمسلمين ليدعوا إلى الإسلام، مع شدة بغضهم له ومحاربتهم له في عقر داره، والسبب الذي جعل أعداء الإسلام من ذراري المسلمين يحاربونه في عقر داره، أقول: إن بيان هذين السببين يزيل ما قد علق بأذهان بعض الناس من الحيرة والعجب من موقفين: أحدهما يجري هنا والآخر يجري هناك!
سبب منح الغرب الحرية لدعوة المسلمين إلى دينهم:
إعطاء أهل الغرب شيئاً من الحرية للمسلمين ليدعوا إلى الإسلام في بلادهم، يعود إلى أمرين:
الأمر الأول: أن أهل الغرب كانت عندهم ثقة أن المجتمعات الغربية، لها عقائدها وعاداتها وسلوكها وتاريخها وحضارتها التي تختلف كل الاختلاف عن مبادئ الإسلام وأخلاق المسلمين وعاداتهم وحضاراتهم - إن اعترفوا بأن لهم حضارة - وأن المسلمين مهما تمسكوا بدينهم ودعوا إليه، فهم أقلية ضعيفة يحيط بهم المجتمع الأوربي ويحاصرهم في كل مكان وجدوا فيه: السكن، ومكان العمل، والشارع، والسوق، والجامعة والمدرسة، والمصنع والقطار والطائرة والحافلة.... فهم كنقطة عطر فواح تلقى في محيط من القاذورات والأوساخ، فَأَنَّى لتلك القطرة أن تحافظ على نفسها ورائحتها في ذلك المحيط من القاذورات؟!
وقد أخبرني بعض المسلمين أن البابا الحالي (بولس السادس في ذلك الوقت) قال للنصارى في حشد عظيم في هولندا: "لا تخافوا من الإسلام في أوروبا، ولا يهولنكم بناء المساجد وانتشار المراكز الإسلامية فيها، فأبناء المسلمين بين أيديكم وتحت إشرافكم وتوجيهكم، في المدارس والجامعات وغيرها، فاجتهدوا في تربيتهم التي تجعلهم ينسجمون مع المجتمع المسيحي، وسينقرض آباؤهم وتفنى مساجدهم ومراكزهم وتندثر، ويبقى أبناؤهم في صفكم".
الثاني: أن أهل أوروبا - والغرب بصفة عامة - استقبلوا في أول الأمر مسلمين بالاسم، وفدوا أفراداً وهم يجهلون حقيقة دينهم، كثير منهم غير متمسكين به، يلتمسون في اغترابهم لقمة العيش فحسب، وليس عندهم ثقافة تحميهم، ولا مؤهلات ترفع شأنهم، وكان نصيبهم من الوظائف تلك المهن البدنية المرهقة، كحمل الأثقال والبناء في المصانع ونحوها، أو الأعمال الحقيرة كتنظيف الشوارع والمصانع والمنازل، وما أشبه ذلك، وأمثال هؤلاء لا يرجى لهم التمسك بدينهم، فضلاً عن أن يؤثروا في غيرهم من أهل البلاد الذين هم أعلى منزلةً اجتماعيةً منهم، وأرقى منهم حضارةً، وأكثر منهم مالاً، بل مصيرهم الذوبان في المجتمع الأوربي، وهذا ما حصل فعلاً لكثير من الوافدين إلى أوروبا في الأفواج الأولى.
ولو أن الدول الأوربية علمت في وقت من الأوقات السابقة، أن الإسلام الحق سينتشر في بلدانهم، ويهدد العقائد الغربية والفكر الغربي، لما تردد أساطين الغرب ودعاة حقوق الإنسان وحرية الأديان وحرية الرأي، في طرد المسلمين في يوم واحد ـ إذا استطاعوا ـ من كل أنحاء أوروبا، وهذه سنة ماضية بين أهل الحق وأهل الباطل، وفي قصص الأنبياء مع أممهم، وأتباع الأنبياء وأتباع الباطل في كل زمان، ما لا يدع مجالاً للشك في هذا المعنى. [راجع مجلة المجلة: عدد 737، ص 36، 21/ شوال، مقال لفهمي هو يدي بعنوان: "دور أوروبا قادم في الاشتباك مع الحالة الإسلامية" هذا مع العلم أن كتابتي هذه كانت في سنة 1407ﻫ و مقال حسن هويدي كتب سنة 1414ﻫ أي بعد سبع سنوات من يوم قيامي بهذه الرحلة التي لخصت منها هذه الصفحات، وقد اشتدت الأمور الآن أكثر، ولكن الدعوة في طريقها إلى الانتشار والمهم قيام المسلمين بواجبهم، كل في موقعه كما سبق.]
لا، بل قد بدأ الخوف والقلق يساور الأوربيين من وجود المسلمين الآن، وها هي بعض دول أوروبا - ومنها فرنسا وألمانيا - تعرض على المسلمين مبالغ مالية في مقابل أن يعودوا إلى بلدانهم، وبدأت أجهزة الإعلام تحذر زعماء أوروبا من خطر بقاء المسلمين فيها، وقد أسفر كثير من زعماء الأحزاب عن وجوههم، فدعوا إلى طرد المسلمين من بلدانهم، بحجة أنهم لا يريدون أن يتأقلموا مع المجتمعات الأوربية، وأنهم يعتبرون نشازاً في هذه المجتمعات، حيث يحرمون على أنفسهم ما يراه الأوربي مباحاً، بل هو من لوازم التحضر والتقدم في أوروبا، من الطعام والشراب والنكاح واللباس وغير ذلك
ذلك هو السبب الذي من أجله أعطى الغربيون المسلمين شيئاً من الحرية المؤقتة للتمسك بدينهم والدعوة إليه، وهذا هو موقفهم المبني على ذلك السبب. وقد بدأت مضايقات المسلمين من الآن بأساليب غير رسمية، ولكنها تحت سمع وبصر الأجهزة الرسمية.! [هذا الكلام كان وقت كتابة هذا الموضوع سنة 1407ﻫ ـ أما الآن ونحن في سنة 1420ﻫ أي بعد ثلاث عشرة من تلك الرحلة، فقد تغيرت الأمور، وأصبحت بعض الحكومات الأوربية نفسها تضايق المسلمين وتحاول التخلص منهم.]
سبب مضايقة دعاة الإسلام في بلدانهم:
أما السبب الذي يعكس القضية، وجعل أعداء الإسلام من المنافقين في الشعوب الإسلامية يضايقون الدعاة إلى الله، ويحاربون تمكن الإسلام من السيطرة على أبناء المسلمين وتوجيه حياتهم، فيعود إلى أمر واحد وهو: أن المنافقين من ذراري المسلمين يعلمون أن الشعوب الإسلامية مهما ابتعد كثير من أبنائها عن الإسلام، فإن الفطرة الكامنة في نفوسهم قابلة للعودة بهم إلى الله والاستجابة لداعي الإيمان إذا أتيحت له الفرصة.
وأن الجهد القليل الصادق المؤثر يجد استجابة سريعة في الشعوب الإسلامية؛ لأن الدعوة الإلهية تلتقي مع الفطرة الربانية، فَتَلْقَف عصى موسى حبال وعصي فرعون. ولهذا نجد الطاغية الذي يحكم بلداً إسلامياً يمكث ما يقارب عشرين سنة أو أكثر، يحارب الإسلام ويقتل دعاته ويعتقلهم ويعذبهم، ويُمَكِّنُ للكفر والإلحاد والفسوق والعصيان والانحلال ولكل مذهب هدام، فإذا أدبر غير مأسوف عليه، عاد الإسلام من جديد، وانتشرت الدعوة إليه في كل بيت، وساد النشاط الإسلامي في المدارس والجامعات والمصانع والنقابات وغيرها، في فترة قصيرة من الزمن، ولهذا يتكاتف أعداء الله من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين، مع أعداء الله من طغاة المنافقين في الشعوب الإسلامية لضرب الحركات الإسلامية.
فالجهود الكبيرة بالإمكانات المادية الهائلة التي تقوم بها الدولة، وتبذلها لضرب الإسلام في الشعوب الإسلامية، يمكن أن تقضي عليها جهود أقل منها بكثير، تبذلها جماعات فقيرة قليلة الإمكانات لإقامة دين الله إذا وجدت مجالاً لنشاطها بحرية الكلمة، والسبب في ذلك أن الشعوب الإسلامية تحنُّ بفطرتها إلى عودة الإسلام وهيمنته في الأرض، ولولا قوة تأثير الإسلام في المسلمين، لكان قد مُحي من على وجه الأرض، لما يلقى من الكيد والمكر والطغيان.
وهذا بخلاف الغرب، فإن الجهود القوية التي تبذل فيه لنشر الإسلام، يضعفها المجتمع الغربي بما يواجهها به من عقائد وعادات وتقاليد وانحراف فطر، ووسائل توجيه، وتشويه لحقائق الإسلام والتنفير منه وغير ذلك من العقبات القوية.
العقبات التي تعترض الدعوة في أوربا وأقسامها:
وبعد هذا أعود لأسرد العقبات التي تعترض انتشار الإسلام وتقلل من تأثير الدعوة إليه في الغرب، وهذه العقبات قسمان:
القسم الأول: يعود إلى المسلمين أنفسهم، وألخصه في النقاط الست الآتية:
النقطة الأولى: القدوة السيئة:
التي يراها الأوربي في كثير من المسلمين في البلدان الأوربية نفسها، حيث إن الجاليات يغلب عليها الجهل بالإسلام، غير ملتزم كثير من أفرادها وأسرها بآدابه، بل بعضهم لا يقر بمبادئه ولا يؤدي شيئاً منها، إضافةً إلى صفاتٍ سيئة يتصفون بها ينفر منها الأوربي، مثل خلف الوعد والكذب والغش.
وكذلك ما يرون وما يسمعون من القدوة السيئة في المسلمين في بلدانهم التي هي معدن الإسلام ومنبعه، وعدم وجود نموذج صحيح يؤكد لهم في عالم الواقع ما يدعيه المسلمون من المبادئ السامية في الإسلام: الإيمانية والعبادية والاجتماعية والسياسية والإدارية وغيرها.
ولقد قال لي أحد المسلمين الجدد: إننا نأسف عندما نرى الرجل يأتي من البلدان الإسلامية، وهو يمسك السبحة بيمينه وكأس الخمر بشماله أمام فندق هلتون[كان ذلك في جنيف.].
النقطة الثانية: ندرة الدعاة المؤهلين:
علماً وعملاً وقدرةً على التأثير، ومعرفة أحوال العصر وأحوال الناس وعاداتهم وإجادة لغتهم، والصبر على ما قد يلاقيه من صعاب، والتجرد لله تعالى في دعوته.
النقطة الثالثة: قلة الكتب الإسلامية:
سواء كانت مؤلفة بلغة القوم في كل بلد، أو مترجمة إلى لغاتهم، مع سلامة المعنى وحسن الصياغة وجودة الأسلوب، وبخاصة ترجمة معاني القرآن الكريم التي أول ما يسأل الباحث عن حقيقة الإسلام عنها. وأكثر الترجمات التي توجد في أيدي الناس ترجمات لبعض المستشرقين، من اليهود والنصارى، أو ترجمات بعض الطوائف المنحرفة المنتسبة إلى الإسلام زوراً وبهتاناً، كالقاديانية.الكتب الإسلامية وغيرها متوفرة لمن يطلبها في الشبكة العالمية: "الإنترنت".
النقطة الرابعة: قلة الإمكانات المادية:
وبخاصة المال الذي يعين بعض الدعاة المؤهلين على القيام بالدعوة، لتنقلاتهم، أو طبع كتب ونشرها، أو طبع نشرات وتوزيعها، أو استئجار مكان مناسب لإقامة ندوات أو محاضرات عامة، يدعى إليها الأوربيون وغيرهم مسلمين أو غير مسلمين.
النقطة الخامسة: كثرة التنازع بين المسلمين في أوروبا:
امتداداً لخلافاتهم الموجودة في بلدانهم، حيث يرى الأوربيون الصراع يحتدم بين كثير من المسلمين في مساجدهم ومدارسهم ومراكزهم، إلى درجة تقتضي أحياناً تدخل أجهزة الأمن الأوربية بينهم، لفصل النزاع الذي إذا بحثت في أسبابه وجدتها في الغالب التنافس في الزعامات والأمور المادية، وليست من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، وإن زعم كل فريق حرصه على تلك المصلحة، هذا مع أن هؤلاء المسلمين يقيمون بين الأوربيين الذين تتنافس أحزابهم على الزعامات بالطرق السلمية المسماة بالديمقراطية: الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية، وغيرهما.
النقطة السادسة: ما يقوم به بعض المتشددين من الشباب المسلم باسم الإسلام، من التفجيرات والقتل للمسلمين وغير المسلمين بغير حق، جعل كثيرا من المثقفين المنتسبين للإسلام في البلدان الإسلامية، من الكتاب العلمانيين وذوي البرامج الإعلامية في وسائل الإعلام ومن يسمون أنفسهم "اللبراليين" يبرزون عداءهم للإسلام، ويحتجون بأعمال هؤلاء الشباب التي تندرج في منهاج الخوارج، التي لا يقرها الإسلام، كما جعل الأوربيين وغيرهم من أهل الدول الغربية، يظهرون شدة خوفهم من الإسلام الذي لم يعرفوه إلا عن طريق المستشرقين المحاربين للإسلام والمسلمين في كتاباتهم، ومن أفعال المسلمين التي تخالف جوهر الإسلام، وبخاصة ما قام به هؤلاء الشباب من الغلو الشديد.
وقد ذكرت ما سيحدثه تفجير البرجين في نيويورك، من بلاء وفتن للعالم الإسلامي، فور رؤيتي لهما يتهاويان من بسبب ما سماه زعماء القاعدة: "غزوة منهاتتن"! وقد كان لليهود دور كبير في تخويف الغربيين من الجاليات الإسلامية في الغرب، وبقراءة كتابَيْ نتنياهو: "استئصال الإرهاب" و"بلدة تحت الشمس" يتضح التخويف اليهودي للغربيين من الإسلام والمسلمين.
هذه أهم العقبات فيما بدا لي، وهناك عقبات أخرى قد يدخل كثير منها في بعض النقاط السابقة.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|