07-12-2015, 06:41 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 358,792
|
|
(5)الدعوة إلى الإسلام في أوربا-القسم الثاني: المسلمون من أصل أوروبي:
وتحت هذا القسم نتكلم على ما يأتي:
نشاط المسلمين في دعوة غير المسلمين:
أغلب المراكز الإسلامية التي زرتها في أوروبا، لم تكن عندها خطط ولا مناهج لدعوة غير المسلمين وتبليغهم هذا الدين، وأغلب الدعاة الذين التقيتهم يعترفون بالتقصير في القيام بدعوة غير المسلمين، بل وجدت من يتعجب من سؤالي عن ذلك، حتى قال لي بعض أئمة المساجد من أصل هندي: إنه لا ينبغي دعوة غير المسلمين ما دام المسلمون بعيدين عن الإسلام، ويحتاجون هم إلى دعوة الله.
وأكثر الذين دخلوا في الإسلام من الغربيين، كان سبب إسلامهم ـ بعد توفيق الله ـ هو بحثهم عن الحقيقة من عند أنفسهم وبعضهم وافق أن زار بعض بلدان المسلمين وأعجبته بعض المعاني الإسلامية، أو بعض التصرفات الطيبة في بلاد المسلمين، أو في أوربا، والقليل منهم من أسلم بسبب دعوة مباشرة من المسلمين.
وهذا ما أخذته مباشرة من المسلمين أنفسهم الذين قابلتهم، وعندي معلومات عن عدد منهم فيما كتبته في هذه الرحلة من سلسلة: "في المشارق والمغارب" وقد سللت منه الحوارات مع المسلمين منهم وغير المسلمين وطبعتهما في جزأين، وأرجو يتم طبع السلسلة التي بلغت 20 مجلداً كاملة.
هذا وقد التقيت أصنافاً من هؤلاء المسلمين: رجالاً ونساء، وذوي تخصصات متنوعة، وأخذت من كل منهم مباشرة، عن حياتهم وإسلامهم، وفيها قصص كثيرة وعِبر مثيرة، ليس المقام هنا مقام التعرض لها، وقد فصلت في مكانها.
فهم المسلمين الأوروبيين للإسلام:
إن القلة القليلة منهم هي التي تتصور الإسلام تصوراً صحيحاً إيماناً وتسليماً وسلوكاً، وهؤلاء هم الذين هيأ الله لهم بعد إسلامهم الاتصال ببعض المسلمين الذين عندهم هذه المعاني، فعلموهم وربوهم على ذلك مباشرة، أو يسَّر الله لهم الاطلاع على بعض الكتب الإسلامية باللغة العربية، وقد سبق لهم أن اجتهدوا في تعلم هذه اللغة، أو مترجمة ترجمة سليمة إلى لغة أخرى يجيدونها، وقد تبقى لديهم بعض المفاهيم غير الصحيحة، ولكن الأصول التي فهموها تمكنهم من تصحيح تلك المفاهيم، إذا تيسَّر لهم السبب الذي يصححها لهم، وهؤلاء تجدهم ينبذون كل المعتقدات المخالفة للإسلام، سواء كانت يهودية أو نصرانية، أو وثنية، كما يرفضون كل البدع والخرافات المنتشرة بين بعض الجماعات الإسلامية، والغالب أن يجمع هؤلاء بين قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وحسن البنا والمودودي، فيفهمون الإسلام عقيدةً وسلوكاً وسياسةً شرعية وغير ذلك، أي يفهمونه فهماً شاملاً، وعندهم استعداد للقبول بتصحيح أي خطأ يتضح لهم.
ومن هذا الصنف ـ فيما بدا لي ـ الأخ يوسف إسلام البريطاني الذي وقف نفسه وماله للدعوة إلى الإسلام [ويمكن مراجعة حوارات مع مسلمين أوربيين ص: 177 عن هذا الداعية.]...
وبعضهم قد يدرس الإسلام في بعض الجامعات الإسلامية، فيفهم الإسلام فهماً جيداً ويعود إلى بلاده، فيأخذ في نشره بين المسلمين من أهل بلده، ودعوة من لم يدخل في الإسلام، ومن هؤلاء الأخ "محمد صديق" الألماني الذي تخرج في الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، فقد أنشأ مركزاً إسلامياً للدعوة، سماه "دار الإسلام" في إحدى ضواحي "فرانكفورت" وله فيه نشاط واضح.
تأثر المسلمين الأوربيين بالطرق الصوفية وأسباب ذلك:
وأكثر المسلمين الأوربيين متأثرون بالطرق الصوفية، والسبب في ذلك يعود إلى الأمور الآتية:
الأمر الأول: قوة نشاط الطرق الصوفية في أوروبا، عن طريق شيوخ تلك الطرق مباشرة، أو عن طريق الكتب المترجمة إلى اللغات الأوربية.
الأمر الثاني: أن عند الأوربيين قلقاً نفسياً وخواءً روحياً وقسوةً قلبية، بسبب الضغوط المادية التي تحيط بهم في كل مكان، ولم يجدوا ما يملأ فراغ قلوبهم ويلينها في الطقوس المسيحية، قبل إسلامهم ولا في الأديان الوثنية، وعندما يلتقون مشايخ الصوفية أو مريديهم الذين غالباً ما يفدون من مصر والسودان والمغرب وتركيا، بعد أن تعمل لهم دعاية في المناطق التي سيزورونها، فيجتمعون حول الشيخ أو المريد، فيما يسمى بالحضرة، ويأخذ في تلقينهم بعض الأذكار والأوراد المعدة عنده، ويمكثون فترات طويلة وهم يرددونها. ويحضر مع المسلمين غير المسلمين، فيتأثرون بالذكر والمنظر، ويشاركون في ذلك دون أن يطلب منهم الدخول في الإسلام، ثم بعد عدد من الجلسات يزداد تأثرهم، ويدخل بعضهم في الإسلام؛ لأنهم يشعرون بالراحة والطمأنينة بكثرة الذكر والعبادة، ويتناقلون ذلك فيما بينهم، ويحسون بسهولته مع ترقيقه لقلوبهم، فيبقى كثير منهم على ذلك.
ويتخلل تعليمهم بعض البدع والخرافات، وهم يظنون أن ذلك كله من الإسلام، ويتعلقون بالشيخ تعلقاً شديداً، ويطرونه إطراءً مبالغاً فيه، في حياته وبعد موته، وينقلبون من ملحدين أو مثقفين لا يؤمنون إلا بالمحسوسات، إلى مؤمنين بالبدع والخرافات، وما يُنسب إلى الشيخ من كرامات، ويلقنهم المريدون الذين سبقوهم أسماء بعض علماء السنة كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ويسمونهم لهم بالوهابية، ويحذرون من قراءة كتبهم وأفكارهم. وقد زرت بعضهم في منازلهم ودكاكينهم ووجدت عند بعضهم استعداداً للحوار والمناقشة والاقتناع.
الأمر الثالث: أنهم قد قرؤوا في كتب المستشرقين الثناء على الطرق الصوفية والإشادة بها، قبل أن يدخلوا في الإسلام، كما يجدون كثيراً من كتب غلاة الصوفية مترجمة إلى لغاتهم، مطبوعة منشورة، في المكتبات التجارية؛ لأن المستشرقين يرغبون أن يفهم الناس الإسلام فهماً صوفياً سلبياً، يعمقون في نفوسهم المعنى الروحاني الخرافي فقط، وليس فهماً سليماً إيجابياً، كما هو الحال في الكنيسة: صلة بين الفرد بربه و لا علاقة له بتنظيم حياة البشر؛ لأنهم يخشون أن يفهم الداخلون في الإسلام من الأوربيين الإسلام فهماً شاملاً، فيقضي ذلك على أفكارهم التي درجوا عليها من زمن بعيد في تشويه حقائق الإسلام، ويكثر الداخلون في الإسلام، وذلك يغيظهم.
أما إذا فهموه فهماً صوفياً مشابهاً لما هو معروف في الكنيسة، فلا عليهم أن يدخلوا في الإسلام إن كان ولا بد من الدخول فيه، وهذا ما يرغب فيه رجال السياسة أيضاً؛ لأن فهم الإسلام على حقيقته يصطدم مع الفكر العلماني في أوروبا والغرب كله.
الأمر الرابع: أن القائمين بالدعوة الإسلامية، لا يوجد عندهم متفرغون يحاولون كسب هؤلاء المسلمين ويعلمونهم مبادئ الإسلام من مصادره، كما أنه لا يوجد علماء كبار يملأون عيونهم، كمشايخ الصوفية الذين ينالون من الإطراء والتفخيم والدعاية المبالغ فيها، ما لا يناله غيرهم.
الأمر الخامس: التقصير الذي يقع فيه كثير من الدعاة، وهو أن الرجل ـ وكذا المرأة ـ إذا دخل في الإسلام، أخذوا يشرحون له مبادئ الإسلام العامة، كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وقد يدخلونه في أفكار سياسية واقتصادية، وبعض المسلمين يبدأون في تحذيره من الحزب الفلاني أو الجماعة العلانية، والمتعصبون للمذاهب يحثونه على التمسك بمذهب الإمام فلان، دون مذهب الإمام علان، كل ذلك وهو لم يذق حلاوة الإيمان والعبادة بعد، ثم يتركونه ولا يتابعونه بتقوية إيمانه بالمحافظة على الفرائض، والقيام ببعض النوافل، وتعليمه بعض الأذكار الواردة الصحيحة، مطلقة كانت أو مقيدة، ولهذا يصطادهم الصوفية ويوقعونهم في شباكهم، ويجعلونهم ينصبون العداء لمن يخالفهم.
بل إن بعضهم يتأثرون بالقاديانية، إما بحسن نية وظن أن ذلك من الإسلام كما يقولون لهم، وإما لمشايعتهم وإعانتهم ـ مع علمهم بضلالهم ـ من أجل نشر أفكارهم، لمحاربة الدعوة الإسلامية الحقة، وليس بخاف دعم الدول الأوربية للقاديانية وغيرها من مذاهب الكفر والضلال مادياً ومعنوياً. وبعضهم يتأثرون بالفكر الرافضي، بسبب اختلاطهم بالشيعة وأخذهم الإسلام عن طريقهم.
وبعضهم قد يكون من كبار المفكرين الأوربيين ويقرأ بنفسه عن الإسلام، وبخاصة كتب الصوفية التي تكثر فيها الشطحات والأخطاء التي يمكن تأويلها وتخريجها على معان سليمة إذا قُرِأت باللغة العربية، كما يفعل ابن القيم رحمه الله مع الإمام الهروي، رحمه الله، ولكنها إذا ترجمت إلى لغة أخرى تأكد ذلك الخطأ، وأصبح عند قارئه هو المعنى المتعين، وبخاصة إذا كان القارئ قد سبق له اعتقاد ذلك المعنى قبل إعلانه إسلامه، فيؤيد اعتقاده السابق بما فهم من الخطأ اللاحق الذي ظنه من الإسلام.
كما وقع للأستاذ رجاء جارودي في قضية الإيمان باليوم الآخر، حيث نفاه نفياً قاطعاً كما كان ينفيه يوم كان ملحداً قبل أن يعلن إسلامه، حيث قرأ في كتاب إحياء علوم الدين ـ وهو مترجم ـ للإمام الغزالي رحمه الله قول رابعة العدوية رحمها الله: "ما عبدت الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من عذابه".. فهذه الجملة مع مخالفتها لنصوص الكتاب والسنة ولمنهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهمها علماء الإسلام على معنى المبالغة في الإخلاص لله تعالى، فهي لشدة إخلاصها ـ في زعمها ـ تعبد الله حباً لذاته، بصرف النظر عن الثواب والعقاب، ولكن جارودي أصَرَّ أن مرادها نفي الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جزاء وحساب وجنة ونار، وغير ذلك.
وقد ناقشته في ذلك مناقشة طويلة في باريس، فأصَرَّ على نفي الإيمان باليوم الآخر، كما اتضح أنه قد ناقشه بعض كبار العلماء، منهم الشيخ محمد الغزالي، وشيخ الجامع الأزهر وغيرهم في ملتقى الفكر الإسلامي بالجزائر، ولكنه استمر على إنكاره ويرى أنه على حق، وأن علماء الإسلام الذين حاولوا عدوله عن الفهم الخطأ على باطل، مع أن الموضوع الذي أنكره هو ركن من أركان الإيمان المعلومة من الدين بالضرورة، وقد حشدت أدلته في القرآن والسنة حشداً لا يدع مجالاً للشك فيه، وأجمعت عليه الأمة.
والسبب في ذلك أنه عندما دخل في الإسلام مع شهرته في العالم، أطرته أجهزة الإعلام واستدعته بعض المؤسسات الإعلامية والإسلامية في أوروبا وفي بعض بلاد المسلمين، ليُلقي محاضرات عن الإسلام، فشعر بأنه شيخ الإسلام عند المسلمين، وأنه لا حاجة له إلى أحد يعلمه الإسلام، ويصحح له مفاهيمه الخاطئة، وكان ينبغي أن يهتم به علماء الإسلام والمؤسسات الإسلامية، فيستضيفوه ليصحبهم في ديار الإسلام ويستفيد منهم العلم والعمل، كما كان الرسول ‘ يرشد من دخل في الإسلام من أعيان القبائل، أن يبقوا عنده فترة يتعلمون منه مبادئ الإسلام ثم يعودون إلى قومهم يعلمونهم ما تعلموه منه ‘، دون إطراء ولا يبالغ في الثناء عليه وإشعاره بأنه أصبح من علماء الإسلام [راجع قصة الحوار مع جارودي: في "حوارات مع مسلمين أوربيين: ص 195وقد بسطت القول في الرد على هذه الشبهة في كتابي "الإيمان هو الأساس" عند الكلام على الإيمان باليوم الآخر.].
وعلى النقيض من ذلك وجدت المسلم الصالح ـ ولا أزكي على الله أحداً ـ يوسف إسلام الذي كان من كبار الموسيقيين المشهورين في الغرب، فقد قيَّض الله له أن اطلع على ترجمة معاني القرآن الكريم ـ ولذلك سبب نقلته عنه عندما قابلته ـ فهداه الله للإسلام، فقام بإنشاء مدرسة لأبناء المسلمين، وأحاط نفسه بفئة من العلماء المسلمين الذين يستفيد منهم.
والخلاصة أن المسلمين الأوربيين يكون إسلامهم بحسب ما يسَّر الله لهم من الوسائل التي دخلوا في الإسلام عن طريقها، فإن تيسر لهم من يفهمهم الإسلام على حقيقته تمسكوا بما فهموا، وإن اتفق لهم من يفهمهم إياه على عوج أخذوا به.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|