من آدَاب الْأَذَانِ

[ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران]

من آدَاب الْأَذَانِ

بكر البعداني



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وجميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمَّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد كنت جمعت شيئًا من آدَاب الْأَذَانِ وتشمل َمُسْتَحَبَّاته وسننه وغيرها، وهي جملة طيبة، فأقول: منها:
أن يؤذن على طهارة:
عن المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه - قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر)) -أو قال-: ((على طهارة))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (17)، والنسائي (1/ 16)، والدارمي (2/ 287)، وابن ماجه، والحاكم (1/ 167)، وعنه البيهقي (1/ 90)، وأحمد (5/ 80)، صحَّحه ابن خزيمة وابن حبان كما في التلخيص، وكذا الحاكم والذهبي والنووي، وهو في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين لشيخنا مقبل الوادعي -رحمه الله- وقال: "هذا حديث صحيح"، إرواء الغليل رقم: (54)، والسلسلة الصحيحة رقم: (834)].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه -: عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((لا يؤذن إلا متوضئ))؛ [أخرجه الترمذي رقم: (200) وهو ضعيف ولا يصح كما في إرواء الغليل رقم: (222)، وقال في الثمر المستطاب (1/ 154): "ضعيف لا يصح". قلت بكر: ويغني عنه ما تقدم، وإنما ذكرته تبيينًا لحاله مع شهرته].

وإنما لم يشترطوا فيه الطهارة أو استقبال القبلة؛ لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يُشترَط فيه ما يُشترَط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة كما نص العلماء -رحمهم الله-؛ فتح الباري (2/ 115).

أن يكون صوت المؤذن حسنًا:
عن أبي محذورة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر نحوًا من عشرين رجلًا فأذَّنُوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعَلَّمه الأذان...))؛ [أخرجه الدارمي رقم: (1232)، قال الألباني: "وسنده صحيح على شرط مسلم"؛ الثمر المستطاب (1/ 121)].

وعن عبدالله بن زيد -رضي الله عنه-: -وفيه- "..فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فأخبرته بما رأيت فقال: ((إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتًا منك))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (499)، وابن ماجه رقم: (706)، وابن الجارود (ص:82-83)، والترمذي رقم: (189)، وأحمد (4/ 43) وغيرهم، وحسنه الألباني في إرواء الغليل رقم: (246) والحويني في تحقيقه غوث المكدود رقم: (158)، وله شواهد يصح بها؛ ولذلك صحَّحه جماعة من الأئمة؛ كالبخاري والذهبي والنووي وغيرهم، وانظر صحيح أبي داود رقم: (512)].

قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (4/ 77): "((فإنه أندى صوتًا منك)) قيل معناه: أرفع صوتًا، وقيل: أطيب.
فيؤخذ منه استحباب كون المؤذِّن رفيع الصوت وحسنه، وهذا متفق عليه".

وعن أبي محذورة -رضي الله عنه- قال: "لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت.. الحديث))؛ [أخرجه النسائي رقم: (633)، وسنده مقبول كما في الثمر المستطاب (1/ 152) للألباني، وله شواهد؛ ولذلك صحَّحه في صحيح النسائي].

أن يجعل أصبعيه في أذنيه:
عن أبي جحيفة -رضي الله عنه-: ((رأيت بلال يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه))؛ [أخرجه الترمذي رقم: (197)، والحاكم (1/ 202) وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، قال الألباني: "وهو كما قالا"؛ إرواء الغليل رقم: (230)، والثمر المستطاب (1/ 162-163)].

وقال في المحرَّر (1/ 37): "ويجعل أصبَعَيه في أذنيه".
وقال أبو عيسى الترمذي: "وعليه العمل عند أهل العلم؛ يستحبُّون أن يُدخِل المؤذِّن أُصبعيه في أُذنيه في الأذان".

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: في فتح الباري (2/ 115-116): "قال العلماء: في ذلك فائدتان:
إحداهما: أنه قد يكون أرفع لصوته.

ثانيهما: أنه علامة للمؤذِّن ليعرِف مَنْ رآه على بُعْد أو كان به صَمَم أنه يُؤذِّن"، وبنحوه للعلامة العثيمين -رحمه الله- في الشرح الممتع (2/ 59).

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: في فتح الباري (2/ 116): "(تنبيه): "لم يرد تعيين الأصبع التي يُستحَبُّ وضعها، وجزم النووي أنها المسبِّحة، وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة".

رفع صوته بالأذان:
عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: ((لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة))، قال أبو سعيد: "سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-"؛ [أخرجه البخاري رقم: (584)].

قال الحافظ في فتح الباري (2/ 89): "وفي الحديث: استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذَّى به".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((المؤذِّن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس...))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (515) وحسَّنه الألباني في الثمر المستطاب (1/ 162) فقال: "بسند حسن"، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود].

قال الخطابي -رحمه الله- في معالم السنن (1/ 155): " قلت: مدى الشيء غايته. والمعنى: أنه يستكمل مغفرة الله -عز وجل- إذا استوفى وسعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت".

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((...والمؤذِّن يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر مَنْ صلَّى معه))؛ [أخرجه النسائي رقم: (646)، وأحمد (4/ 284)، وقال الألباني في الثمر المستطاب (1/ 162): "بإسناد صحيح"، وقال شيخنا مقبل في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 50): "هذا حديث على شرط الشيخين"].

وعن ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((يغفر الله لِلْمُؤَذِّنِ منتهى أذانه، ويستغفر له كل رطب ويابس سمع صَوْتَهُ))؛ [أخرجه أحمد رقم: (6201)، وقال شيخنا مقبل في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 53): "هذا حديث حسن، رجاله رجال الصحيح" وبوَّب عليه: رفع الصوت بالأذان، وصحَّحَه الألباني في صحيح الترغيب رقم: (233)].

قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (4/ 79): "ولهذا قال العلماء: يكون رفع الصوت في الإقامة دونه في الأذان".

وقال الحافظ في فتح الباري (2/ 84): "ومن ثم استحبَّ... وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة".

قال ابن رجب -رحمه الله- في فتح الباري (3/ 397) له: "والأذان له فوائد:...
ومنها: أنه إعلام للغائبين عن المسجد؛ فلهذا شرع فيه رفع الصوت، وسُمِّي نداءً؛ فإن النداء هو الصوت الرفيع؛ ولهذا المعنى قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لعبدالله بن زيد -رضي الله عنه-: ((قم فألقه على بلال؛ فإنه أندى صوتًا منك))، وهذا أحد أوجه المعنى -كما تقدم معنا- قول الإمام النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (4/ 77) في أن يكون صوت المؤذِّن حسنًا، فراجعه.

الالتفات في الحيعلة يمينًا وشمالًا:
عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: ((أتيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بمكة وهو بالأبطح في قُبَّة له حمراء من أُدُم، قال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح، قال: فخرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عليه حُلَّة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضَّأ وأذَّن بلال، قال: فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يمينًا وشمالًا، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح..))؛ [أخرجه مسلم رقم: (503)].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (2/ 115): "...وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان، وأن محله عند الحيعلتين، وبوَّب عليه بن خزيمة: انحراف المؤذن عند قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، بفمه لا ببدنه كله. قال: وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه".

وعن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: "... فأذَّن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح، لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر"؛ [أخرجه أبو داود رقم: (520)، وصحَّحه النووي في المجموع (3/ 104)، والألباني في تمام المنة (ص:150) وقال: "وإسناده صحيح"].

قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع (2/ 60): "تنبيه: الحكمة من الالتفات يمينًا وشمالًا إبلاغ المدعوين من على اليمين وعلى الشمال، وبناءً على ذلك: لا يلتفت من أذَّن بمكبر الصَّوت؛ لأنَّ الإسماع يكون من «السَّمَّاعات» التي في المنارة؛ ولو التفت لَضَعُف الصَّوت؛ لأنه ينحرف عن «الآخذة»".

الأذان على موضعٍ عالٍ:
عن امرأة من بني النجار قالت: "كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذِّن عليه الفجر"؛ [أخرجه أبو داود رقم: (519) وبوَّب عليه: باب الأذان فوق المنارة، وحسَّنه ابن دقيق العيد في "الإمام" كما في نصب الراية (1/ 287)، والألباني في الإرواء رقم: (229)] وله شواهد كما في الثمر المستطاب (1/ 158-159)، وصحيح أبي داود رقم: (532-الأم) وفي الطبقات (8/ 307) لابن سعد ما يدل على أنها: النوار أم زيد بن ثابت، ولكنه لم يصح].

وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال -إلى أن قال-: "... قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إني لما رجعت - لما رأيت من اهتمامك - رأيت رجلًا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذَّن..". [أخرجه أبو داود رقم: (506) وصحَّحه الألباني وقال في الثمر المستطاب (1/ 155): "وهذا سند صحيح، رجاله رجال الستة"، وفي رواية: "على حائط"، وفي أخرى: "جذم حائط"، (والجذم) بالكسر والفتح: الأصل؛ أراد: بقية حائط].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مؤذنان: بلال، وابن مكتوم الأعمى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن بلالًا يؤذِّن بليل، فكُلُوا واشربوا حتى يُؤذِّن ابنُ مكتوم))، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقَى هذا"؛ [أخرجه مسلم رقم: (1092)].

وعن عبدالله بن شقيق قال: "من السُّنَّة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد، وكان عبدالله يفعله"؛ [أخرجه ابن أبي شيبة، وقال الألباني في الإرواء (1/ 146): "وسنده صحيح"].

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((يعجب ربكم من راعي غنم فى رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي...))؛ [أخرجه النسائي (1/ 108)، وأبو داود رقم (1205)، وابن حبان رقم: (260)، وغيرهم، وقال المنذري: "رجاله ثقات"، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (41): " قلت: وهذا إسناد مصري صحيح، رجاله كلهم ثقات.." وصححه الألباني في إرواء الغليل رقم: (214)، وصحيح أبي داود رقم: (1086- الأم)].

والشظية: قطعة مرتفعة في رأس الجبل. وفيه إشارة إلى استحباب الأذان على المكان المرتفع ولو كان على الجبل. قاله الألباني في الثمر المستطاب (1/ 160).

قال الحافظ في الفتح (2/ 84): "ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عالٍ بخلاف الإقامة... لأنَّ الأذان يُستحَبُّ أن يكون على مكان عالٍ لتشترك الأسماع... ".

الأذان قَائِمًا:
وعن عبدالرحمن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال -إلى أن قال-: "... قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، إنى لما رجعت - لما رأيت من اهتمامك - رأيت رجلًا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن..". [أخرجه أبو داود رقم: (506) وصححه الألباني، وفي رواية: "فقام على حائط"، وقد تقدَّم].

وعن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان يقول: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس يُنادى لها فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولًا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((يا بلال، قُمْ فنادِ بالصلاة))؛ [أخرجه البخاري رقم: (579)، ومسلم رقم: (377)، وفي رواية: ((فأذَّن بالصلاة))].

وقد ثبت أن ابن عمر –رضي الله عنه-: "أن ابن عمر كان يُؤذِّن على راحلته"؛ [أخرجه البيهقي (1/ 392)، وحسَّنه الألباني في الإرواء (1/ 242) رقم: (226) فقال: "وإسناده حسن"].

قال ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص:38): "وأجمعوا على أن من السنة أن يُؤذِّن المؤذِّن قائمًا".

وكان بلال -رضي الله عنه- وغيره من مؤذني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يؤذنون قيامًا؛ انظر: التلخيص الحبير (1/ 505)، والبدر المنير (3/ 372)، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/ 241): "لم أجده، والظاهر أنه لم يُرْوَ بهذا اللفظ، وإنما أخذ ذلك المؤلف من بعض الأحاديث استنباطًا.. والله أعلم. ويكفي في هذا الباب جريان العمل على ذلك خلفًا عن سلف".

العلم بمواقيتِ الصلاةِ:
عن جابر بن سَمُرة -رضي الله عنه- قال: "كان بلال لا يُؤخِّر الأذان عن الوقت، وربما أخَّرَ الإقامة شيئًا"؛ أخرجه ابن ماجه (713)، وفيه شريك بن عبدالله القاضي سيِّئ الحفظ؛ لكنه قد تُوبِع، عندما أخرجه أحمد (5/ 91)؛ ولذلك حسَّنه الألباني في الإرواء (227).

وعن جابر بن سَمُرة -رضي الله عنه- قال: "كان بلال يُؤذِّن إذا دَحَضَتْ فلا يقيم حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه"؛ [أخرجه مسلم رقم: (606)، ولفظ أحمد (5/ 91): "كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: فإذا خرج أقام حين يراه"].

وعن ابن عمر -رضي الله عنه-: "أن بلالًا أذَّن قبل طلوع الفجر؛ فأمره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام، زاد في رواية: فرجع فنادى: ألا إن العبد نام"؛ [أخرجه أبو داود رقم: (532) وقال الألباني في صحيح أبي داود رقم: (542): "قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد قوَّاه ابن التركماني والحافظ ابن حجر العسقلاني"].

وحديث ابن عمر-رضي الله عنه-كما قال بعض أهل العلم: كما أنه يدل على أن المؤذن لا بد أن يكون عالمًا بالوقت وأن يتحرَّاه للأذان، فكذلك إذا أخطأ فأذَّن قبل الوقت -مثلًا- فعليه أن يعود فينبِّه الناس إلى خطئه.

والخلاصة في كونه يستحب للمؤذن أن يكون عَالِمًا بِأَوْقَاتِ الصَّلاةِ حتى يتعاهد الوقت، ويكون عارفًا به؛ ليتمكن من الأذان في أوَّل الوقت؛ ولأنه قد يتعذَّر عليه من يخبره بالوقت هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى لأن ((المؤذِّن مُؤتمَن)) على مواقيت الصلوات وغيرها -كما سيأتي معنا- ومن خيانة الأمانة والتقصير فيها ألَّا يضبط أمانته ولا يراعي الوقت؛ ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: يُكرهُ أذانُ الجاهلِ ومن لم يكن عالمًا بمواقيتَ الصلاة. والله أعلم.

الاحتساب في الأذان وعدم طلب أجر عليه:
قال الله -عز وجل-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].

وعن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله، اجعلنى إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا))؛ أخرجه أبو داود رقم: (531)، والنسائي رقم: (109)، والحاكم (1/ 199 و 217)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي، وقال الألباني في الإرواء رقم: (1492): "وهو كما قالا"، وذكر له شواهد وطرقًا، وقال شيخنا مقبل في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 54): "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج مسلم معنى الشطر الأول منه بسنده..". وبوَّب شيخنا له: "المؤذِّن لا يأخذ على أذانه أجرًا".

ولفظ الترمذي رقم (209): ((إن من آخر ما عهد إليَّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن اتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا))، وقال الترمذي: "العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذِّن على الأذان أجرًا، واستحبُّوا للمؤذِّن أن يحتسب في أذانه".

الأمانة:
قال الله -عز وجل-: ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، ولحديث عبدالملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه- مرفوعًا به: ((أُمناءُ المسلمين على صلاتهم وسحورهم: المؤذنون))؛ [رواه البيهقي (1/ 426)، وفيه ضعف، وحسَّنَه الألباني في إرواء الغليل رقم: (221) بشواهده].

وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الإمام ضامِن، والمؤذِّن مؤتمن))؛ [أخرجه أحمد (5/ 260)، وحسَّنه شيخنا مقبل رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (2/ 57) وبوَّب له: "المؤذِّن مؤتمن"].

المؤتمن: قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 66): "الذي يَثِقون إليه ويَتَّخِذُونه أمِينًا حافظًا، يُقال اؤْتُمِنَ الرجُل فهو مُؤتَمَنٌ يعني أن المؤذِّن أمِينُ الناس على صَلاتهم وصِيَامهم".

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((الإمامُ ضامِنٌ والمؤذِّن مؤتمنٌ اللهُمَّ أرشد الأئمة واغفر للمؤذِّنين))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (517)، والترمذي رقم: (207)، والحديث له طُرُق وشواهد من حديث عائشة، وأبي أمامة، وواثلة، وأبي محذورة، وابن عمر -رضي الله عنهم أجمعين- ولذا صحَّحه الألباني في إرواء الغليل رقم: (217)].

قال ابن رجب -رحمه الله- في فتح الباري (3/ 397) له: "والأذان له فوائد:
منها: أنه إعلام بوقت الصلاة أو فعلها، ومن هذا الوجه هو إخبار بالوقت أو الفعل؛ ولهذا كان المؤذِّن مؤتمنًا".

وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير (3/ 182): "أي: أمين على صلاة الناس وصيامهم، وإفطارهم وسحورهم، وعلى حرم الناس لإشرافه على دورهم؛ فعليه المحافظة على أداء هذه الأمانة".

اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ:
حديث عبدالله بن زيد في نزول الملك بالأذان قال: قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "..إنَّ رجلًا من الأنصار يُقال له عبدالله بن زيد أتى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله، إني رأيت فيما يرى النائم -ولو قلت إني لم أكن نائمًا لصدقت- أني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصًا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة، فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلَّا الله، مثنى مثنى حتى فرغ من الأذان.."؛ [أخرجه أحمد (5/ 246)، وأبو داود رقم: (82) وصحَّحه الألباني بشواهده في الثمر المستطاب (1/ 112)].

عن مجمع بن يحيى قال: "كنت مع أبي أمامة بن سهل، وهو مستقبل المؤذِّن فكبَّر المؤذن وهو مستقبل القبلة الحديث"؛ [رواه السراج في مسنده (1/ 23/ 1) قال الألباني في الإرواء (1/ 250): "وإسناده صحيح، وهو في مسند أحمد (4/ 95) دون موضع الشاهد منه"].

قال ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص:38): "وأجمعوا على أن من السنة أن تستقبل القبلة بالأذان".
وقال في المغني (1/ 439): "... المستحبُّ أن يُؤذِّن مستقبل القبلة؛ لا نعلم خلافًا...".

وإنما لم يشترطوا فيه الطهارة أو استقبال القبلة؛ لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يُشترَط فيه ما يُشترَط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة. كما نصَّ العلماء -رحمهم الله-. فتح الباري (2/ 115).

التَّرَسُّل أَوِ التَّرْتِيل:
بوَّب الإمام الترمذي -رحمه الله- في جامعه (1/ 370) باب ما جاء في الترسل في الأذان، وذكر حديثًا ضعيفًا جدًّا؛ لكن العلماء -رحمهم الله- استحبُّوه -أعني: الترسل.

قال الحافظ -رحمه الله- في فتح الباري (2/ 84): "ومن ثم استحب... وأن يكون الأذان مرتلًا والإقامة مسرعة".

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني (1/ 418): "ويستحب في الأذان الترسل.

مسألة: قال: ويترسل في الأذان ويحدر الإقامة. الترسل التمهُّل والتأني، من قولهم: جاء فلان على رسله، والحدر ضد ذلك؛ وهو الإسراع وقطع التطويل، وهذا من آداب الأذان ومستحبَّاته".

وقال الصنعاني -رحمه الله- في سبل السلام (1/ 129): "..الترسل في الأذان؛ لأن المراد منه الإعلام للبعيد وهو مع الترسل أكثر إبلاغًا، وعلى شرعية الحدر والإسراع في الإقامة؛ لأن المراد منها إعلام الحاضرين فكان الإسراع بها أنسب؛ ليفرغ منها بسرعة فيأتي بالمقصود وهو الصلاة".

والمعنى: "بقطع الكلمات بعضها عن بعض، والتأني في التلفُّظ بها" كما قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي (1/ 500).

المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك