شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------ رمضان (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=298)
-   -   فتاوى الاعتكاف بين التعصب والانفلات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=437379)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-27-2023 08:31 PM

فتاوى الاعتكاف بين التعصب والانفلات
 
فتاوى الاعتكاف بين التعصب والانفلات
سيد ولد عيسى

يكثُر الحديث في رمضان عن الاعتكاف، وتزداد أعداد الْمُحْيين لهذه السنة التي كادت أن تموت في بعض البلاد الإسلامية، ولكن بقدر ما تُثلج الصدر أعداد المعتكفين، وتقاطرهم على المساجد زَرَافاتٍ ووُحدانًا، حتى تكتظ بهم بعض المساجد أحيانًا، فلا يبقى متسعٌ لمعتكف جديد، بقدر ما يثلج هذا الصدر، بقدر ما يَضيق الصدرُ ببعض الممارسات التي يقوم بها المعتكفون؛ ما يُفقِد الاعتكاف قيمته وثمرته وفائدته، وبقدر الأمل المعلَّق على العلماء والدعاة والمصلحين في توجيههم وتسديدهم للظاهرة، تكون الخيبة - في كثير من الأحيان - لكثرة الفتاوى المتناقضة والمتعارضة، وليس في تعارض أقوال العلماء عيبٌ؛ إذ كلٌّ مستنِد إلى دليل اقتنع أنه الشرع، وأنه الأرجح والأزكى، لكن العيب في تضييق الأفق، ونفي الأقوال المخالفة والإطلاق في الإحكام، والتعصب للمذهب.

وأمام هذا الواقع أردت أن أُشير إلى بعض النقاط المتعلقة بالموضوع، علَّ أن تكون فيها تذكرة تنفع المؤمنين من الصِّنفين؛ المعتكفين، والعلماء.

أولًا: حول سلوك المعتكف:
على المعتكف أن يراعي ما استطاع:
1- أن الاعتكاف سنة نبوية، حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم[1]، ولم يعتكف إلا في مسجده صلى الله عليه وسلم[2]، وأكثر اعتكافه صلى الله عليه وسلم كان في رمضان[3]، واستقر آخر الأمر في العشر الأواخر منه[4]، فينبغي المحافظة على هذه السنة في هذه العشر من رمضان، وينبغي للمعتكف أن يحرص على ألَّا يعتكف إلا في مسجد[5]؛ فقد نقل كثير من العلماء الإجماع على أنه لا اعتكاف إلا في المسجد[6]؛ لأن الله تعالى ذكر الاعتكاف في المساجد؛ فقال تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، وقال: ﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125].

2- الحفاظ على حرمة المسجد، والحفاظ على نظافته؛ لِما ورد من وجوب تعظيم حرمات الله تعالى مطلقًا؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]، وقال: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، ولِما ورد في تعظيم المساجد بشكل خاص[7]؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي بال في المسجد: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن))[8]، ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المسجد معروف؛ فقد كانت تؤذيه النُّخامة فيه[9]، رغم أنه مسجد محصَّب[10]، وكان يأتيها بالخَلُوق ليجعله مكانها[11]، وكان يرشد إلى دفنها كفَّارة لها[12]؛ فلذلك لا بد من المحافظة على نظافة المسجد، والعناية بها.

وقد كان صلى الله عليه وسلم رغم حرصه على النظافة يُخرِج رأسه إلى عائشة لتغسله له[13]، وهذا وإن كان معللًا بكونها حائضًا[14]، فقد كان صلى الله عليه وسلم يُخرِج إليها رأسه لترجِّله[15]، فيُفهم من ذلك كله الحرص على نظافة المسجد؛ إذ قد يتساقط بعض الشعر أثناء الترجيل فيُلوَّث المسجد.

3- حرمة أذى الناس؛ فالاعتكاف سنة، وأذى الناس حرام[16]، وحين يتعارضان لا بد أن يُرتكَب أخف الضررين[17] بترك تلك السنة مؤقتًا؛ حتى لا يقع أذًى أو ضرار[18]، وقد نص الفقهاء على هذا في بناء القِباب الخاصة بالمعتكفين، فشرطوها بألَّا تضيق على الناس[19].

4- الاعتكاف إنما شُرع لحبس النفس على الطاعة[20]، ومخالفة هواها، لا للإفراط في النوم، والأكل والشرب والأحاديث الجانبية؛ وقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي في شأن المساجد: ((إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن))[21]، يشهد أنها لا تصلح لكلام الناس، ولا لأحاديثهم[22]، وأحرى الإسراف في النوم والموائد وغيرها، بل ينبغي الاقتصار على النوم الذي يحتاجه الجسم[23]، وعلى الأكل الذي يحتاجه الجسم، والتوقف عن الكلام في غير الضروري[24]؛ فقد كان بعض السلف يتوقفون عن بث العلم زمن الاعتكاف[25]؛ لِما فهموا من معنى التعبد المحض المراد من المعتكف.

5- ليس الغرض من الاعتكاف تعذيب النفس حتى تنفِرَ من العبادة، إنما الغرض التمكن منها، وتهذيب غرائزها، وجعلها وفق الشرع.

6- على المعتكف مراعاة أحوال المعتكفين حوله؛ من حيث استخدام الأصوات والأضواء، والجهر بالدعاء والذكر والتلاوة، ونحو ذلك من كل ما يشوِّش على المعتكفين؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار))[26].

7- على الأسرة المسلمة إن أرادت الاعتكاف أن يلين بعضها في أيدي بعض؛ حتى تتفوَّج أفواجًا، يشارك من خلالها كل فرد في الاعتكاف، ولا تجعل الاعتكاف إضرابًا عن الحياة العامة وسيرورتها؛ فقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتكف أزواجه معًا[27]، وقد يكون تداعيهن لذلك في وقت واحد من أسباب الرفض.

ثانيًا: حول الفتاوى المنتشرة في الاعتكاف:
لا بد قبل كل شيء أن نشير إلى بعض المنطلقات الفقهية المعروفة:
1- فالاعتكاف سنة[28] أرشد الشارع إلى فعله، وطبَّقه النبي صلى الله عليه وسلم[29]، والإشارات الشرعية إليه أكثر من طلبه[30].

2- ليس في الاعتكاف شرط معلوم[31] ولا حدٌّ محدود حدَّه النبي صلى الله عليه وسلم، لا من صيام ولا من غيره[32]، وإن كان بعض الصحابة أفتوا أن لا اعتكاف إلا بصيام؛ لأن الله ذكره مع الصيام[33]، وهو محل خلاف بينهم، لكن القدر المشترك أن الاعتكاف لَبْثٌ في المسجد بنية[34] ممن يصح منه ذلك[35]، فهذا القدر المشترك الذي لا بد منه للمعتكف.

3- أغلب اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان، وهو صائم[36]، ولكن لا دليل على أن ذلك كان من شرط الصيام؛ لأمرين:
الأول: أن ليس هناك تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم باشتراط الصيام.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذِن لعمر في الاعتكاف في المسجد الحرام ليلة كان قد نذرها في الجاهلية[37]، ومعلوم أن الليل ليس محل صيام[38].

4- اختلف الأئمة في اشتراط الصيام[39] أو عدم اشتراطه[40].

والأولَى بالعالم عند عرض مثل هذه المسائل أن يذكر الأقوال مع أدلتها، بدل أن يسمع العوام الإفتاء باشتراط الصيام مرة، وبعدم اشتراطه مرة.

5- اتفق جمهور العلماء على أنه لا اعتكاف إلا في المسجد[41]؛ ويشهد لذلك أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حين ألغين الاعتكاف في مسجده صلى الله عليه وسلم بأمره عليه الصلاة والسلام[42] لم يعتكفن في بيوتهن، لا باجتهاد منهن، ولا بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم[43]، فعُرف بذلك أن الاعتكاف مرتبط بالمسجد، والقرآن أشار إلى هذا: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187].

6- أجمع العلماء على شرطين من شروط الاعتكاف؛ هما:
أ‌- الطاهرة من دم الحيض والنِّفاس[44].

ب‌- حرمة مباشرة النساء فترة الاعتكاف[45].

ت‌- وقريب من هذين الإجماعين اتفاق أغلب العلماء على أنه لا اعتكاف إلا في مسجد، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك[46].

واختلفوا فيما سوى ذلك، من تحديد وقت لأقل الاعتكاف[47]، ومن اشتراط للصيام فيه[48]، وما يفسد الاعتكاف من المباشرة[49] بعد اتفاقهم على حرمتها.

فينبغي لمن يُفتي في هذا الأمر أن يلاحظ الفرق بين موضع الاتفاق، ومواضع الاختلاف.

7- اختلف العلماء في الخروج[50] وحدِّه[51] وكيفيته[52]، ولم يحدد المشرع فيه شيئًا يرجع إليه يكون فيصلًا، وإنما هو الاجتهاد واستقراء أحوال السلف، وكل ذلك واسع فلا ينبغي التضييق على الناس؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرَّم حُرُمات فلا تنتهكوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان ‌فلا ‌تبحثوا ‌عنها))[53].

إذا تمهَّد هذا، فإن على المسؤول عن أحكام الاعتكاف:
1- أن يراعي أحوال الناس، فيحملهم على التيسير، ولا يشدد عليهم فيما لم يشدد فيه الشارع.

2- أن ينظر إلى المقصد الشرعي من ربط الناس بالمساجد في زمن كثُر فيه العزوف عنها، وقلَّت فيه القلوب المعلَّقة بها.

3- أن ينظر إلى مقصد الشارع من الاعتكاف في شقَّيه: المقصد المتعلق بالفرد من تزكية وتعبد، والمقصد المتعلق بالجماعة من عمارة للمسجد وبقاء فيه، مع نظره للمقصد المتعلق برعاية حرمة المسجد، وحق المصلين، فيجمع بين ذلك متى أمكن، فإذا تعذر الجمع، رجَّح حق الجماعة على حق الفرد، وحق المسجد على حق المعتكف.

والله نسأل التوفيق لِما يحبه ويرضاه، والسداد في الأقوال والأعمال، وأن يوفقنا لحبس أنفسنا على طاعته في كل أحوالنا، وأن يحفظنا من معصيته، وأن يتقبل منا العمل، وأن يغفر لنا الزلل، وأن يوفقنا لاتباع السنة، وأن يهديَنا لِما اختُلف فيه من الحق بإذنه؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

[1] البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، برقم: 2025، 3/ 47، ط: المطبعة الكبرى الأميرية، ببولاق، مصر، 1311هـ، بأمر السلطان عبدالحميد الثاني، ثم صَوَّرها بعنايته: د. محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة الأولى عام 1422هـ لدى دار طوق النجاة، بيروت، مع إثراء الهوامش بترقيم الأحاديث لمحمد فؤاد عبدالباقي، والإحالة لبعض المراجع المهمة، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم: 1171، 1172، 2/ 830، ت: محمد فؤاد عبدالباقي، ط: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1955، ثم صورته دار إحياء التراث العربي ببيروت، وغيرها.

[2] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم: 1171، 2/ 830، 831، م س، وأبو داود، السنن، أول كتاب الصوم، باب أين يكون الاعتكاف، برقم: 2465، 4/ 125، ت: الأرنؤوط وآخرين، ط: 1، دار الرسالة العالمية، 2009.

[3] اعتكف في شوال مرة واحدة، قاضيًا بها ما فات من اعتكافه في رمضان؛ [مالك، الموطأ، 1/ 316، م س. والبخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، برقم: 2041، 3/ 51، م س. ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم: 1172، 2/ 831، م س].

[4] البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، برقم: 2025، 3/ 47، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم: 1171، 1172، 2/ 830، م س.
وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف العشر الأواسط، وأضاف إليها مرة العشر الأواخر؛ [البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، 3/ 46، م س، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، برقم: 1167، 2/ 824، م س] واعتكف مرة العشر الأول؛ [مسلم، صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها، برقم: 1167، 2/ 824، م س]، وبهذا يتبين أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف الشهر كله؛ كما جاء ذلك صريحًا في بعض الروايات؛ [المصدر السابق].

[5] يُؤخَذ هذا من منع النبي صلى الله عليه وسلم أزواجَه من الاعتكاف حين رأى تنافسهن فيه؛ [البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، برقم: 2045، 3/ 51، م س]، فلو كان الاعتكاف جائزًا في غير المسجد، لأذِنَ لهن في الاعتكاف في بيوتهن، أو أرشدهن إليه، ومقتضى المذاهب الأربعة أن الاعتكاف لا يصلح إلا في المسجد؛ [ابن رشد، بداية المجتهد، 2/ 77، ط: دار الحديث، القاهرة، 2004، وابن بطال، 4/ 161، م س، والنووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 68، ط: 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ]، وتفصيل اختلافهم في الأمر فيه مبسوط في مظانِّه من كتب الفقه والحديث.

[6] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 4/ 161، ت: أبي تميم ياسر بن إبراهيم، ط: 2، دار النشر: مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، 2003، وابن عبدالبر، التمهيد، 5/ 646، ت: بشار عواد معروف، وآخرين، ط: 1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2017.

[7] قال ابن بطال: "وفيه: تطهير ‌المساجد من النجاسات وتنزيهها عن الأقذار"؛ [ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 1/ 327، م س].

[8] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذ حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم: 100، 1/ 237، م س.

[9] جاء في صحيح البخاري: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ‌نُخامة في القِبلة، فشقَّ ذلك عليه، حتى رُئِيَ في وجهه، فقام فحكَّه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه – أو: إن ربه بينه وبين القبلة - فلا يبزُقَنَّ أحدكم قِبل قِبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه، ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم ردَّ بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا))؛ [البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الصلاة، ‌‌باب حك البزاق باليد من المسجد، برقم: 405، 1/ 90، م س].

[10] الْمُحَصَّب اسم مفعول من حصَّبه تحصيبًا فهو محصب؛ وهو المفروش بالحصباء؛ وهي الحصى؛ [القاموس المحيط، مادة ح ص ب]، ولم يكن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر محصَّبًا، بل كان فيه الطين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ((سجد في ماء وطين، وانصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماء))، وذلك ليلة إحدى وعشرين في رمضان، كما هو معروف الذي اعتكف فيه العشر الأواسط، ثم أتبعها بالأواخر؛ [البخاري، الجامع الصحيح، كتاب فضل ليلة القدر، ‌‌باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، برقم: 2018، 3/ 46، م س]، فلما آذى الصحابة الماءُ والطينُ فرشوا المسجد بالحصباء.
وجاء في تاريخ المدينة لابن شبة أن القاسم بن محمد عابَ على محمد بن أبي بكر المضمضة في المسجد، وعلَّل الفرق بينها وبين البُزاق والنُّخامة التي كفارتها الدفن أن تِينك لا بد للإنسان منهما؛ وقال: "فأما ما منه بدٌّ فاعزله عن المسجد"؛ [ابن أبي شبة، تاريخ المدينة، 1/ 26، ت: فهيم محمد شلتوت، ط: السيد حبيب محمود أحمد، جدة، 1399هـ].
ولاهتمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمسجد وآدابه، بنى البُطيحاء حين وسَّع المسجد، وقال: "من أراد أن يلغط، أو يرفع صوتًا، ‌أو ‌ينشد شعرًا، فليخرج إليه"؛ [ابن أبي شبة، تاريخ المدينة، 1/ 34، م س، ومحمد إلياس عبدالغني، تاريخ المسجد النبوي الشريف، ص: 44، ط: 1، 1996]، وأصله عند مالك بألفاظ مقاربة؛ [مالك، الموطأ، 1/ 175، م س].

[11] مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر، برقم: 3008، 4/ 2303، م س.

[12] لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((البُزاق في المسجد خطيئةٌ، وكفَّارتها ‌دفنُها))؛ [البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الصلاة، ‌‌باب كفارة البزاق في المسجد، برقم: 415، 1/ 91، م س].

[13] أبو داود، السنن، أول كتاب الصوم، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، برقم: 2469، 4/ 127، م س.

[14] المصدر السابق.

[15] البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب الحائض ترجِّل المعتكف، برقم: 2028، 3/ 48، م س.

[16] تواترت الأدلة على هذا المعنى، وشُرعت له شتى التشريعات من نهيٍ عن الغِيبة والنميمة والتجسس، وظن السوء، ومن نهيٍ عن المناجاة دون الواحد، ومن نهي عن تخطي الرقاب، ونهي عن أذى الناس بالريح، وتشريع لغسل الجمعة، ونهي عن إتيان المسجد عند أكل الثوم، ونهي عن السَّومِ على السوم، والخطبة على الخطبة، والبيع على البيع، وغير ذلك.

[17] الأبياري، التحقيق والبيان في شرح البرهان في أصول الفقه، 3/ 103، ت: د. علي بن عبدالرحمن بسام الجزائري، أستاذ بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين، الجزائر، ط: 1، دار الضياء، الكويت (طبعة خاصة بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر)، 2012، والسبكي، الأشباه والنظائر، 1/ 41، ت: عادل أحمد عبدالموجود، علي محمد معوض، ط: دار الكتب العلمية، بيروت، 1999، والشنقيطي سيدي عبدالله بن الحاج إبراهيم، نشر البنود على مراقي السعود، 2/ 270، ط: مطبعة فضالة بالمغرب.

[18] ويشهد لتأجيل السنة وتركها مؤقتًا حتى لا يقع أذًى ولا ضرار، حديث: ((آلبرَّ أردن)) خير موجه في هذا السياق؛ إذ أتْبَعَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بالتوقف عن الاعتكاف، وأمر بتقويض أخبية زوجاته رضي الله عنهن حتى انقضى رمضان، فقضى اعتكافه في شوال غير مضارٍّ؛ [البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، برقم: 2045، 3/ 51، م س].

[19] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 4/ 170، م س، والنووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 68، م س.

[20] قال ابن عبدالبر: "معنَى ‌الاعتكافِ في كلام العربِ الإقامةُ على الشيء، والمواظبةُ عليه، والملازمةُ له، وهذا معنَى العكوفِ والاعتكافِ في اللِّسان، وأما في الشريعة فمعناه: الإقامةُ على الطَّاعةِ وعملِ البرِّ، على حسَبِ ما ورَد من سُننِ ‌الاعتكافِ"؛ [التمهيد، 5/ 646، ت: بشار عواد معروف، وآخرين، ط: 1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2017].

[21] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذ حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم: 100، 1/ 237، م س.

[22] تقدم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بنى البطيحاء: "من كان يريد أن يلغط، ‌أو ‌ينشد ‌شعرًا، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرَّحَبَة"؛ [مالك، الموطأ، 1/ 175، م س]، وقد ثبت النهي عن إنشاد الضالة في المسجد؛ [مسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن نشد ‌الضالة ‌في ‌المسجد وما يقوله من سمِع الناشد، برقم: 568، 1/ 397، م س]، والنهي عن البيع والشراء فيه؛ [أبو داود، السنن، كتاب الصلاة، باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، برقم: 1079، 2/ 306، م س].

[23] للنوم في المسجد آداب، ينبغي التحلي بها؛ ومنها: ألَّا ينام على وجهه كنوم أهل النار؛ لِما في ذلك من سوء الأدب، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وقوله: ((إنها نومة أو ضِجعة يُبغضها الله))؛ [ابن ماجه، سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب النهي عن الاضطجاع على الوجه، برقم: 3723، 4/ 668، 669، ت: شعيب الأرنؤوط، وآخرين، ط: 1، دار الرسالة، 2009، وأحمد، المسند، مسند المكيين، حديث طخفة بن قيس الغفاري، برقم: 25543، 24/ 307، ت: الأرنؤوط وآخرين، ط: 1، مؤسسة الرسالة، 2001، والبخاري، الأدب المفرد، ص: 671، ت: سمير بن أمين الزهيري، ط: 1، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، 1998].
ومن آداب الاعتكاف أن يجعل لنفسه في المسجد مكانًا لمبيته، بحيث لا يضيِّق على المسلمين، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحن إذا ضرب فيه خباءه، وفيه من الفقه أن المعتكف إذا أراد أن ينام في المسجد أن يتنحَّى عن الناس؛ خوف أن يكون منه ما يؤذيهم من آفات البشر"؛ [ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 4/ 170، م س]، فلا بد أن يكون للإنسان مكان خاص به في مُؤْخِرَةِ المسجد، كما كانت تُضرب القِباب للنبي صلى الله عليه وسلم ولزوجاته؛ [البخاري، الجامع الصحيح، 3/ 51، م س، وابن بطال، شرح صحيح البخاري، 4/ 170، م س، والنووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 68، م س].

[24] قال مالك: "والمعتكف مشتغل باعتكافه، لا يعرض لغيره مما يشتغل به من التجارات، أو غيرها، ولا بأس بأن يأمر المعتكف ببعض حاجته بضيعته، ومصلحة أهله، وأن يأمر ببيع ماله، أو بشيء لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفًا، أن يأمر بذلك من يكفيه إياه"؛ [مالك، الموطأ، 1/ 313، م س]، فأين هذا من الكلام الطويل، والبحث في القضايا التي لا تهم، أو التفكُّه بالحديث مع الأقران؟

[25] ابن رشد، بداية المجتهد، 2/ 76، م س، وخالد الرباط، الجامع لعلوم الإمام أحمد، 7/ 481، ط: 1، دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الفيوم، مصر، 2009، وقد منع ابن القاسم على المعتكف درس العلم، وأجاز ذلك ابن وهب؛ [ابن رشد، بداية المجتهد، 2/ 76، م س].

[26] مالك، الموطأ، ‌‌باب القضاء في المرفق، 2/ 745، صححه ورقمه وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبدالباقي، ط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1985.

[27] تقدمت الإشارة إليه، وتمامه: عن ‌عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذِن لها، وسألت حفصةُ عائشةَ أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنةُ جحش أمرت ببناء فبُنيَ لها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‌آلبرَّ ‌أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكفٍ، فرجع، فلما أفطر، اعتكف عشرًا من شوال))؛ [البخاري، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، برقم: 2045، 3/ 51].

[28] أو مندوب حسب بعض الاصطلاحات الفقهية؛ [القدوري، مختصر القدوري، ص: 65، ت: كامل محمد محمد عويضة، ط: 1، دار الكتب العلمية، 1997، وابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 352، ت: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، ط: 2، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1980، والنووي، شرح مسلم، 8/ 67، م س، وابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد، 1/ 454، ط: 1، دار الكتب العلمية، 1994]، وسمَّاه بعض الأحناف سُنَّة؛ [الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، 2/ 108، ط: مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر، 1328هـ]، وقد سماه مالك في موطئه سُنَّة؛ فقال: "وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف المسلمون سُنَّة الاعتكاف"؛ [الموطأ، 1/ 315، م س]، وفرَّق بعض المالكية بين اعتكاف رمضان واعتكاف غيره، فجعل اعتكاف رمضان سنة، واعتكاف ما سواه جائزًا؛ [ابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 352، م س]، وسماه الشافعي سنة؛ [الشافعي، الأم، 2/ 116، ط: دار الفكر]، وسماه بعض الحنابلة سنة كذلك؛ [الخرقي، مختصر الخرقي، ص: 52، ط: دار الصحابة للتراث، 1993].

[29] عن ‌عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف ‌أزواجه ‌من ‌بعده))؛ [البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب الاعتكاف في العشر الأواخر، برقم: 2026، 3/ 47، م س].

[30] أُشير إليه مرتين في القرآن: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، ﴿ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125].

[31] قال مالك: "لم أسمع أحدًا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطًا، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك، فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يُحدِثَ في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه، ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف المسلمون سنة الاعتكاف"؛ [مالك، الموطأ، 1/ 313، م س]، وقال ابن رشد: "ليس فيه حد مشروع بالقول"؛ [ابن رشد، بداية المجتهد، 2/ 67، م س].

[32] يشهد لمن قال: إن الاعتكاف لا بد فيه من صيام، أن فعلَ النبي صلى الله عليه وسلم مضى في الاعتكاف مع الصيام، وإن أورد بعض أهل العلم أنه حين اعتكف عشرًا من شوال لم يصُم فيها؛ [ابن حجر، فتح الباري، 4/ 276، ط: 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ]، والله أعلم.

[33] ذكره مالك في الموطأ (1/ 315)، ولكن هذا الدليل يعكر عليه أنه ذُكر أيضًا ولم يُذكر الصيام معه في آية أخرى.

[34] النووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 67، م س.

[35] يُخرِج هذا القيد الحائض والنُّفَساء وغير المسلم؛ لأدلة عدم جواز بقائهن في المسجد، ولعدم صحة التعبد من الكافر، ولقول بعض أهل العلم بحرمة إدخال الكافر المسجد.

[36] فتح الباري، 4/ 285، م س، ولا أذكر أني وقفت على اعتكاف للنبي صلى الله عليه وسلم خارج رمضان غير اعتكافه في شوال؛ قضاءً لِما فاته من اعتكاف رمضان.

[37] البخاري، 8/ 142، وفي رواية لمسلم أنه نذر اعتكاف يوم؛ [مسلم، 5/ 88]، وحينئذٍ فلا حجة فيه لمن لا يشترط الصيام في الاعتكاف؛ لكن قال الدارقطني: "سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: هذا حديث منكر؛ لأن ‌الثقات ‌من ‌أصحاب ‌عمرو ‌بن ‌دينار لم يذكروه، منهم ابن جريج، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بديل ضعيف الحديث"؛ [الدارقطني، سنن الدارقطني، 3/ 186، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرين، ط: 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 2004]، والمقصود بابن بديل عبدالله بن بديل راوي الحديث عن عمرو بن دينار، وقد انفرد بهذه الزيادة، والله أعلم.

[38] فتح الباري، 4/ 274.

[39] وهو مذهب مالك؛ [ابن عبدالبر، الاستذكار، 3/ 393، ت: سالم محمد عطا، ط: 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000].

[40] وظاهر كلام الإمام الشافعي أنه لا يشترط فيه الصوم إلا إذا كان اعتكافًا مع صوم؛ [الشافعي، الأم، 2/ 115، م س]، وهو وجه عن أحمد، والوجه الثاني أنه يشترط فيه الصيام؛ [ابن قدامة، الكافي في فقه الإمام أحمد، 1/ 455].

[41] استثنى الأحناف المرأة، فجعلوا الأصل في اعتكافها مسجد بيتها، مع جواز اعتكافها في المسجد؛ [السرخسي، المبسوط، 3/ 119، ط: مطبعة السعادة، مصر].

[42] البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، برقم: 2045، 3/ 51، م س.

[43] فتح الباري، 4/ 277، م س.

[44] وهذا محل إجماع، حتى من الأحناف الذين أذِنوا للمرأة بالاعتكاف في مصلَّاها من بيتها، فقد أوجبوا عليها قطع الاعتكاف عند حدوث المانع؛ [السرخسي، المبسوط، 3/ 119، م س].

[45] ابن المنذر، الإجماع، ص: 50، ت: د. فؤاد عبدالمنعم أحمد، ط: 1، دار المسلم للنشر والتوزيع، 2004.

[46] البخاري، الجامع الصحيح، أبواب الاعتكاف، ‌‌باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج، برقم: 2045، 3/ 51، م س، والسرخسي، 3/ 115، م س، وابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 353، م س، وابن بطال، 4/ 161، م س، وابن رشد، بداية المجتهد، 2/ 77، م س، والنووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 68، م س.

[47] فعند من اشترط الصيام أقله يوم وليلة؛ [ابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 352، م س، والسرخسي، المبسوط، 3/ 116، 117، م س]؛ وعليه فلا يصح في الأيام المحرَّم صيامها؛ كالأعياد وأيام التشريق؛ [ابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 352، م س]، وعند من لم يشترط الصيام لا حدَّ لأقله، ومتى نواه كفاه ذلك، ولو كان مارًّا من المسجد؛ [النووي، شرح صحيح مسلم، 8/ 67، م س]، ومنهم من استحسن اعتكاف أيام التشريق تأكيدًا على عدم اشتراط الصيام فيها؛ [ابن حزم، المحلى بالآثار، 3/ 413، ت: عبدالغفار سليمان البنداري، ط: دار الفكر، بيروت].

[48] تقدم أن مالكًا وأبا حنيفة اشترطاه وأن الشافعي لم يشترط الصيام، ووافقه الظاهرية؛ [ابن حزم، المحلى بالآثار، 3/ 411، م س]، واختُلف عن ابن حنبل في اشتراطه من عدمه، كما اختلف قول الأحناف في الاعتكاف غير الواجب، فورَدَ عنهم أنه يمكن أن يكون ساعة، وعليه فلا صيام فيه؛ [السرخسي، المبسوط، 3/ 117، م س].

[49] إذا كانت في الفَرْجِ تبطل عند الجميع؛ [السرخسي، المبسوط، 3/ 123، م س، وابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 354، م س، والشافعي، الأم، 2/ 115، م س، والخرقي، مختصر الخرقي، ص: 52، م س]، ويفسُد الاعتكاف عند الظاهرية بأي مباشرة كانت إلا ما استثناه النص كترجيل الشعر؛ [ابن حزم، المحلى، 3/ 421، م س]، وقريب منهم المالكية فالظاهر أبطلوها بأي مباشرة كانت من تقبيل ونحوه ولو لم ينزل؛ [ابن عبدالبر، الكافي في فقه أهل المدينة، 1/ 354، م س]، لكن يُحمل هذا على مذهبهم في اللمس، فلا يبطل عندهم منه إلا ما كان بقصد لذة أو بوجودها؛ [خليل، مختصر خليل، ص: 64، ت: أحمد جاد، ط: 1، دار الحديث، القاهرة، 2005].

[50] ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يقلب صفية إلى دارها في بيت أسامة بن زيد رضي الله عنهم؛ [البخاري، أبواب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، برقم: 2038، 3/ 50، م س]، فالأولَى اعتبار هذا النوع من الخروج الجائز للمعتكف شرط أو لم يشرط.

[51] جاء في السنن أن عائشة رضي الله عنها قالت: "السنة على المعتكف ألَّا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لِما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع"؛ [أبو داود، السنن، أول كتاب الصوم، باب المعتكف يعود المريض، برقم: 2473، 4/ 130، م س].
وقد نسب عدد من الحفَّاظ هذا إلى رأي عائشة، وليس إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ [المصدر السابق، 4/ 131]، وقد خُولفت فيه عائشة رضي الله عنها، فمن أهل العلم من رأى أن للمعتكف فعل الخير مطلقًا إلا الخروج المستمر من المسجد، ومنهم من رأى أن له اتباع الجنازة، ونحو ذلك إن شرطه عند بداية اعتكافه؛ قال الشافعي رحمه الله: "والاعتكاف سنة، فمن أوجب على نفسه اعتكاف شهر، فإنه يدخل في الاعتكاف قبل غروب الشمس، ويخرج منه إذا غربت الشمس آخر الشهر، قال: ولا بأس بالاشتراط في الاعتكاف الواجب، وذلك أن يقول: إن عَرَضَ لي عارض، كان لي الخروج، ولا بأس أن يعتكف ولا ينوي أيامًا، ولا وجوب اعتكاف متى شاء انصرف، والاعتكاف في المسجد الجامع أحب إلينا، وإن اعتكف في غيره، فمن الجمعة إلى الجمعة"؛ [الشافعي، الأم، 2/ 115، م س].
والخلاصة أنه قد اتُّفق على حرمة مباشرة النساء في الاعتكاف، وإن اختُلف فيما دون الجماع هل يفسد الاعتكاف أم لا، واتفق على أن الاعتكاف في المسجد إلا في أقوال ضعيفة وأقواها قول للأحناف، وأما عيادة المريض، وشهود الجنازة، واشتراط الصوم في الاعتكاف، فهذه محل خلاف.
وأما اشتراط الجامع فراجع إلى وجوب الجمعة، وحكم الخروج إليها لا إلى المسجد نفسه؛ كما قال مالك؛ [مالك، الموطأ، 1/ 313، وابن بطال، شرح صحيح البخاري، 4/ 161، م س].

[52] ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض، واختُلف هل يقف أم لا، وكل ذلك مروي عن عائشة رضي الله عنها؛ [أبو داود، السنن، أول كتاب الصوم، باب المعتكف يعود المريض، برقم: 2482، 4/ 129، م س، ومالك، الموطأ، 1/ 312، م س].

[53] الدارقطني، السنن، 5/ 355، ت: الأرنؤوط، ط: مؤسسة الرسالة، بيروت، 2004.




المصدر...


الساعة الآن 04:13 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM