شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة مواضيع اسلامية هامة جداااااااااااااااااااااااا (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=294)
-   -   ماذا تعرف عن شهر شعبان؟ (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=426431)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-03-2023 04:30 AM

ماذا تعرف عن شهر شعبان؟
 
ماذا تعرف عن شهر شعبان؟
الشيخ صلاح نجيب الدق


الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا إله سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه وهداه، صلى الله عليه وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيعتبر شهر شعبان من الأشهر المباركة، وهو أحد مواسم الطاعات التي ينبغي على المسلم الكريم الاستفادة منها؛ بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات؛ لكي يرفع رصيده من الحسنات، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تسمية شهر شعبان:
سُمِّيَ شهر شعبان المبارك بهذا الاسم؛ لتشعب القبائل العربية في طلب المياه، أو في الغارات التي كانوا يقومون بها، بعد أن يخرج شهر رجب الحرام؛ [فتح الباري لابن حجر، ج: 4 ص: 251].

الصوم في شهر شعبان:
من سُنَّةِ نبينا صلى الله عليه وسلم الإكثار من الصيام في شهر شعبان، والصوم له أجر عظيم عند الله تعالى.

روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا))؛ [البخاري 2840، مسلم 1153].

روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن في الجنة بابًا يُقال له الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يُقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا، أُغلق فلم يدخل منه أحد))؛ [البخاري حديث: 1896، مسلم حديث: 1152].

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "ريح الصيام أطيب من ريح المسك، تستنشقه قلوب المؤمنين، وإن خفِيَ، وكلما طالت عليه المدة، ازدادت قوة ريحه"؛ [لطائف المعارف لابن رجب، ص: 253].

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان؛ فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمَلَّ حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دُووم عليه، وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها))؛ [البخاري حديث: 1970].

قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قولها: ((وكان يصوم شعبان كله))؛ أي: يصوم معظمه"؛ [فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 4، ص: 252].

قال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: "جاز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، ويُقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشَّى واشتغل ببعض أمره، وقال ابن المبارك أيضًا: ومعنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر"؛ [سنن الترمذي، ج: 3، ص: 114].

روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبانَ، ثم يصله برمضان))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 2124].

روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 588].

روى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: ((قلتُ: يا رسول الله، لم أرَكَ تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحِب أن يُرفع عملي وأنا صائم))؛ [حديث حسن، صحيح النسائي للألباني، حديث: 2221].

حكم تخصيص النصف من شعبان بالصوم:
قال الإمام محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله: "إن صيام النصف من شعبان أو تخصيصه بقراءة أو بذكر، لا أصل له، فيومُ النصف من شعبان كغيره من أيام النصف في الشهور الأخرى، ومن المعلوم أنه يشرع أن يصوم الإنسان في كل شهر الثلاثة البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، ولكن شعبان له مَزِيَّة عن غيره في كثرة الصوم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصيام في شعبان أكثر من غيره، حتى كان يصومه كله أو إلا قليلًا منه، فينبغي للإنسان إذا لم يشقَّ عليه أن يكثر من الصيام من شعبان؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم"؛ [البدع والمحدثات لمحمود عبدالله المطر، ص: 612].

الصوم في النصف الثاني من شهر شعبان:
روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 2449].

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "النهيُ في هذا الحديث يكون في حقِّ من لم يصُمْ شيئًا في النصف الأول، أو من ليس له عادة من الصوم، وأراد أن يبدأ التطوع في النصف الثاني فقط"؛ [لطائف المعارف لابن رجب، ص: 260].

وقال الترمذي: "ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن يكون الرجل مفطرًا، فإذا بقِيَ من شعبان شيءٌ، أخذ في الصوم لحال شهر رمضان"؛ [سنن الترمذي، ج: 3، ص: 115].

أخي الكريم، لا تنسَ أن تدعو أهل بيتك وجيرانك وأصدقائك لصيام أيام من شهر شعبان، وتذكَّر ما رواه الإمام مسلم عن أبي مسعود الأنصاري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))؛ [مسلم حديث: 1893].

أحاديث ليلة النصف من شهر شعبان:
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "جاء في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث متعددة، قد اختُلف فيها، فضعَّفها الأكثرون، وصحَّح ابن حبان بعضها"؛ [لطائف المعارف لابن رجب، ص: 261].

روى ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لَيطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن))؛ [حديث حسن، صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 1140].

أخي المسلم الكريم: هذا الحديث ليس فيه إلا أن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيغفر لعدد كبير من خلقه، عدا المشرك والمشاحن، ومن العجيب أن أهل البدع يتمسكون بمثل هذا الحديث، فيجعلونه أصلًا لبدعهم.

بعض بدع ليلة النصف من شهر شعبان:
وسوف نتحدث عن بدع ليلة النصف من شعبان بإيجاز شديد:
أولًا: الصلاة الألفية:
الصلاة الألفية هي مائة ركعة، يقرأ المصلي في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص؛ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] عشر مرات، وتسمَّى بالألفية لقراءة سورة الإخلاص فيها ألف مرة.

هذه الصلاة بهذه الصفة بدعة، لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه الراشدين، ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولا استحبها أحد من أئمة الهدى؛ كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولو كان ذلك مشروعًا، لَسبقونا إليه، وهم أحرص الناس على الخير.

قال الإمام النووي رحمه الله: "الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة، وتصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان منكرتان قبيحتان، ولا يُغْتَرُّ بذكرهما في كتاب قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإن كل ذلك باطل، ولا يُغتَرُّ ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنَّف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك، وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابًا نفيسًا في إبطالهما، فأحسن فيه وأجاد رحمه الله"؛ [المجموع للنووي، ج: 4، ص: 56].

الإمام ابن القيم رحمه الله:
بعد أن ذكر ابن قيم الجوزية ثلاثة أحاديث في فضل صلاة ليلة النصف من شعبان؛ قال رحمه الله: "أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان لا يصح منها شيء"؛ [المنار المنيف لابن القيم، ص: 98: 99].

الإمام السيوطي رحمه الله:
بعد أن ذكر السيوطي حديث: ((يا عليُّ، من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة بألف ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة)) بثلاث روايات، قال رحمه الله: "هذا حديث موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل، وفيهم ضعفاء، والحديث محال".

وقال أيضًا عن حديث علي بن أبي طالب: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة ثم جلس)): "حديث موضوع وإسناده مظلم"؛ (اللآلئ المصنوعة للسيوطي، ج: 2، ص: 57: 60].

ثانيًا: تخصيص صوم يوم ليلة النصف من شعبان:
إن تخصيص صوم يوم ليلة النصف من شعبان من البدع التي ابتدعها الناس في شهر شعبان، وأما ما رواه ابن ماجه بلفظ: ((إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها، وصوموا نهارها))، فحديث موضوع؛ [ضعيف الجامع للألباني، حديث: 652].

قال المباركفوري رحمه الله:
"لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثًا مرفوعًا صحيحًا"؛ [تحفة الأحوذي للمباركفوري، ج: 3، ص: 368].

ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله حديث: ((صيام يوم ليلة النصف من شعبان كصيام ستين سنة ماضية، وسنة مستقبلة))، وقال: "هذا حديث موضوع وإسناده مظلم"؛ [الموضوعات لابن الجوزي، ج: 3، ص: 130].

ثالثًا: اجتماع الناس في المساجد لإحياء ليلة النصف من شعبان:
قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: "لم أدرك أحدًا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحدًا منهم يذكر حديث مكحول، ولا يرى لها فضلًا على ما سواها من الليالي"؛ [إسناده صحيح، البدع لابن وضاح القرطبي، ص: 84].

بداية ظهور بدعة صلاة الرغائب:
قال أبو محمد المقدسي رحمه الله: "لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب، هذه التي تُصلَّى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في أول سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة كثيرة، ثم جاء في العام القابل، فصلى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلـهم، ثم استقرت كأنها سُنَّةً إلى يومنا هذا"؛ [الحوادث والبدع للطرطوشي، ص: 132-133].

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة"؛ [لطائف المعارف، ص: 264].

قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله، وهو أحد علماء الأزهر الشريف: "من البدع الفاشية في الناس احتفال المسلمين في المساجد بإحياء ليلة النصف من شعبان، بالصلاة والدعاء عقب صلاة المغرب، يقرؤونه بأصوات مرتفعة بتلقين الإمام، فإن إحياءها بذلك على الهيئة المعروفة، لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم"؛ [الإبداع لعلي محفوظ، ص: 286].

رابعًا: دعاء المحو والإثبات:
من البدع التي ابتدعها الناس أيضًا في ليلة النصف من شعبان الدعاء المعروف الذي يطلب فيه المسلم من الله تعالى أن يمحو من أم الكتاب شقاوته إن كان قد كتبه شقيًّا، ونص هذا الدعاء كما يلي: اللهم يا ذا المن، ولا يُمَنُّ عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيًّا أو محرومًا، أو مطرودًا أو مُقترًا عليَّ في الرزق، فامحُ اللهم بفضلك شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي، وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيدًا موفقًا للخيرات، فإنك قلت - وقولك الحق - في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]، إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شعبان المكرم، التي يُفرَق فيها كل أمر حكيم ويُبرَم، أسألك أن تكشف عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم، وما أنت به أعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم؛ [البدع الحولية لعبدالله التويجري، ص: 303:302].

هذا الدعاء ليس له أصل في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يثبت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، أنهم اجتمعوا في المساجد من أجل الدعاء في ليلة النصف من شعبان، ولا تصح نسبة هذا الدعاء إلى أحد من الصحابة رضي الله عنهم.

وربما اشترط المبتدعون لقبول هذا الدعاء قراءة سورة (يس) وصلاة ركعتين قبله، يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات، يصلُّون المرة الأولى بنيَّة طول العمر، والمرة الثانية بنية الاستغناء عن الناس، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومزايا هذه الليلة وخصائصها، حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن، فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركو الصلاة، معتقدين أن هذا الدعاء يجبر كل تقصير سابق عليه، وأنه يُطيل العمر ويتشاءمون من فَوتِه.

إن الدعاء إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان، لكن لا على هذا الوجه المخترع، فنتقرب إليه تعالى بما شرع ولا نتقرب إليه بالبدع، وما أحسن الدعاء وقت السحر وقد نامت العيون، وغابت النجوم، وبقِيَ الحي القيوم! يدعو المرء فيه بحاجته، ويناجي مولاه بمطلوبه، حاضرَ القلب، خاشعًا ذليلًا، لا مقلدًا فيه، ولا حاكيًا لدعاء غيره، فإن ذلك يذهب برقة القلب وحضوره، ومحال أن يستجيب الرب لمن يدعوه، وقلبه عند غيره؛ [الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ، ص: 290].

ينبغي على كل مسلم كريم أن يحرص على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويحذر من مخالفة السنة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

وقال الله سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

روى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ [البخاري حديث: 2697].

أحوال الناس في صيام آخر أيام شهر شعبان:
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتقدمنَّ أحدكم رمضانَ بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم))؛ [البخاري حديث: 1914، مسلم حديث: 1082].

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصومه بنية الرمضانية، احتياطًا لرمضان، فهذا منهي عنه، وقد فعله بعض الصحابة، وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه، وفرَّق ابن عمر بين يوم الغيم والصحو في يوم الثلاثين من شعبان، وتبعه الإمام أحمد.

الثاني: أن يُصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة، ونحو ذلك، فجوَّزه الجمهور.

الثالث: أن يُصام بنية التطوع المطلق، فكرَّهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن البصري، وإن وافق صومًا كان يصومه، ورخَّص فيه مالك ومن وافقه، وفرَّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا.

ثم قال ابن رجب: المعمول به عند كثير من العلماء أنه يُكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلًا بآخره"؛ [لطائف المعارف لابن رجب، ص: 272: 273].

التقدم بالصوم على شهر رمضان:
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "كراهة التقدم بالصوم على رمضان لها ثلاثة معانٍ:
أحدها: أنه على وجه الاحتياط لرمضان، فيُنهى عن التقدم قبله، لئلا يُزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نُهيَ عن صيام يوم العيد لهذا المعنى؛ حذرًا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.

الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع؛ ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يُفصَل بينهما بسلام أو كلام.

الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك للتقوِّي على صيام رمضان، فإن مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين، كان أقرب إلى التقوِّي على صيام رمضان، وفي هذا التعليل نظر، فإنه لا يُكره التقدم، بأكثر من ذلك، ولا لمن صام الشهر كله وهو أبلغ في معنى الضعف، لكن الفطر بنية التقوى لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام"؛ [لطائف المعارف لابن رجب، ص: 273:275].

ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الـحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام، وأرجو كل قارئ كريم أن يدعو الله سبحانه لي بالإخلاص، والتوفيق، والثبات على الحق، وحسن الخاتمة؛ فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة؛ وأختم بقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وآخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا مـحمد، وآله، وأصحابه، والتابعين لـهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________


المصدر...


الساعة الآن 08:11 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM