شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   المكتبة الضخمة المتنوعة في كل المجالات --- الاف الكتب ---- متجدد (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=352)
-   -   دخل له كتاب في كتاب (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=272097)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 06-06-2016 06:46 PM

دخل له كتاب في كتاب
 
بسم الله الرحمن الرحيم

دخل له كتابٌ في كتاب[1]


قبل عشرين سنة من اليوم، نشر الشيخ محمد طلحة بلال منيار مقالةً ما هي بالطُّوالة، لكنها تتوقَّد غيرةً على العلم، وحراسةً للتراث، وتنبض جودةً في الفحص والنقد، جاء عنوانها بالخط العريض: «كتابان في كتاب، والمحقق في سُبات!!»[2].

وقد بيَّن الشيخُ في مقالته أن أحد محققي كتاب «الإيثار بمعرفة رواة الآثار»، للحافظ ابن حجر، نشره ملفَّقًا من كتابين له، هما: «الإيثار»، و«جزء في أوهام الحسيني في رجال المسند التي تبعه عليها أبو زرعة ابن العراقي»، دون أن يتفطَّن إلى «التبايُن الواضح بين جزأي الكتاب في طول التراجم وقصرها، ومحتواها وأسلوبها، وطريقة تناولها من قبل المؤلف»، إضافةً إلى قرائن أخرى قاطعة، كان يمكن اكتشافها بقليلٍ من البحث والتأمل.

لقد كانت تلك غفلةً من غفلات المحققين، وما أكثرهم، وما أكثرها، إذ ما تفتأ الأيام تُنبئُنا بأخبارها، وأمثولاتها، وما تَسُوء به وجهَ التراث المشرقَ، وتَشِينه، وتشوهه، حتى غدا حديثُ هذا الباب، ويا للأسى، طويلًا، يذكي الحزن، ويبعث الشجن.

لم تكد خمسُ سنواتٍ تمرُّ على ذلك الكتاب، وتلك المقالة، حتى حدثت أحدوثةٌ أخرى من ذلك الحديث..

♦ ♦ ♦ ♦

صدر مطبوعًا، عام 1422هـ، جزء «فوائد الفوائد»، للإمام الحافظ محمد بن إسحاق ابن خزيمة، موسومًا بوصف "الدراسة والتحقيق".

واعتمد محققه في تحقيقه على نسخةٍ خطيةٍ واحدة، من محفوظات المكتبة الآصفية بالهند، ذكر في وصفها (ص7) أنها تقع في 3 ورقات، وأنه ينقصها ورقةٌ بعد انتهاء الوجه الأول، وأن كاتب النسخة قد نبَّه على ذلك في الهامش، وأن النسخة مكتوبة في القرن السابع[3]. ثم وضع صورتين من أول النسخة، وآخرها.

وبمراجعة نماذج المحقق، يُلحظ أنه كُتِبَ في الحاشية السفلى من الصفحة التي بدأ فيها النص، جوارَ التعقيبة، ما يلي: «ومن بعد هذا قد غاب الورقة الواحدة من الأصل. ناظم».

وفضلًا عن الاختلاف الواضح في الخط، فإن ركاكةَ التعبير، والتذييلَ باسم المعلِّق، قواطعُ بأن كاتبَ تلك التعليقة ليس هو الناسخ، وأنها لا تمتُّ لزمن النَّسخ بِصِلة، وإنما هي تعليقةٌ متأخرةٌ لقارئٍ أو مُفَهرسٍ هندي، اسمه: «ناظم»[4].

وبمطالعةٍ يسيرة للجزء وسماعاتِه، يتبيَّن بجلاءٍ أن تعليقة «ناظم» هذه كانت مغلوطة، وأن محقق الكتاب لم يُعطِ الكتابَ حقَّه من التأمُّل، والفحص، و"الدراسة والتحقيق".

فأولًا: لم يتساءل المحقق عن كون أكثر أسانيد الجزء (4-14) مبدوءًا بقول المؤلف: «حدثنا ابن أبي حاتم»، مع أن من المستغرب للغاية أن يروي ابن خزيمة (المولود أوائلَ سنة 223هـ، والمتوفى سنة 311هـ)، عن ابن أبي حاتم (المولود سنة 240هـ، والمتوفى سنة 327هـ)، فابن خزيمة أكبر من ابن أبي حاتم بسبع عشرة سنة، وقد لَحِق جماعةً من المحدّثين لم يُدركهم ابن أبي حاتم أصلًا، فما الذي يُحوجه إلى الرواية عن ابن أبي حاتم، بل إلى تغليب الرواية عنه في جزءٍ له؟ وكيف يروي عنه وقد مات قبله بست عشرة سنة، مع أن الأغلبَ الأعمَّ عكسُ ذلك؟ وأين نظير هذا الإسناد في كتب الرواية؟

وثانيًا: لم يتساءل المحقق لِمَ لم يُروَ من طريق ابن خزيمة في هذا الجزء إلا الحديثان الأولان؟[5]

وثالثًا: لم يتساءل المحقق عن اختلاف السماعات، وقد أفرد لها فصلًا، اختلافًا جذريًّا عن أسانيد الجزء التي أثبتها، وترجم لرجالها، حيث لم يتكرَّر اسمٌ واحدٌ في الموضعَين، إلا اسم الحافظ المزي.

ورابعًا: قرأ المحقق، ونَسَخ، وأثبت مصوَّرًا (ص10)، ومنسوخًا (ص58-59)، قولَ كاتب السماع: «سمع هذا الجزء من حديث القصار عن ابن أبي حاتم...»، وقولَ كاتب السماع الآخر: «سمع هذا الجزء من حديث القصار المذكور أعلاه»، ولم ينتبه، مع ذلك، إلى أن هذه تسميةٌ صريحةٌ للجزء، وأنه جزءٌ آخرُ لا علاقة له بالجزء الذي يحققه.

وقد قرأ الشيخ بديع الدين الراشدي (ت 1416هـ) هذه السماعاتِ قراءةً واعية، فكتب في موضع الانقطاع من نُسختِه، المنتسخةِ من نسخة الآصفية، ما يلي: «هذه أحاديث من جزء ابن القصار، أبي الحسن؛ علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه، المتوفى سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. ذكره الذهبي في العبر ج3 ص64[6]. كتبه أبو محمد -عفي عنه-»[7].

وتمامًا، كما ذكر الشيخ الراشدي، فإن ما بعد الحديث الثاني من «فوائد الفوائد» لا يعدو أن يكون قطعةً من جزء «حديث أبي الحسن علي بن محمد بن عمر القصار، عن ابن أبي حاتم، عن شيوخه»، حيث يتَّضح بمراجعة هذا الجزء، الذي ما زال مخطوطًا[8]، التطابقُ التام بين أحاديثه، وأحاديث الجزء المتداخل مع «فوائد الفوائد»، لابن خزيمة، كما يتَّضح أن رواةَ ذلك الجزء هم الرواةُ المذكورون في السماعات.

ولمجرد كون الناسخ نفسَ الناسخ، حيث وقع الجزآن في مجموعٍ واحد؛ سارع المعلِّقُ المذكور، والمحققُ -متابعةً أو ابتداءً-، إلى عدِّ الجزأين جزءًا واحدًا، وتوهَّما سقوط ورقةٍ واحدةٍ منه فحسب، فدخل لهما كتابٌ في كتاب[9].

وتأسيسًا على ما سبق:

فإن جزء «فوائد الفوائد»، لابن خزيمة، وصلنا مبتورًا، ولم نقف منه إلا على إسناده، وحديثَين اثنين فقط، ولعل الله يفتح بالعثور على باقيه بفضله[10].

وكذلك، فإن نسخة هذا الجزء تعدُّ نسخةً إضافيةً من جزء «حديث القصار عن ابن أبي حاتم»، وإن كانت مبتورةً يسيرًا من الأول.

♦ ♦ ♦ ♦
وبعد:

فهذه دعوةٌ إلى قراء التراث وباحثيه عامة، أن يتلقَّوا ما تقذفه المطابع بالرويَّة والتيقُّظ، ويتحقَّقوا من دعاوى المحقِّقين والناشرين، ويُقَلِّبوا دراساتهم وتحقيقاتهم على سَفُّود البحث والتمحيص.

وهي دعوةٌ إلى حراس التراث، وحماة حمى العلم، أن يسلكوا سبيل النَّقَدَة الأوائل، الذين تتبَّعوا أوهام الرواة، ونقَّبوا عن أسبابها ومداخلها، وانتزعوا عللَ مَرويَّاتهم انتزاعَ الإبرة من القش.

وهي دعوةٌ إلى محققي كتب التراث، أن يُعِدُّوا للتحقيق عُدَّته، ويضبطوا مبادئه وقواعده، التي ليس أقلّها «البصر والدراية التامة بأصوله، وسعة الأفق، والإلمام الشامل بموضوع التحقيق، والتحلي بالأناة والصبر، والأمانة والتثبت، وعمق المعالجة، والدراسة الفاحصة»[11].

وإنه لَمُزْرٍ بنفسِه مَن جعلها عرضةً لكل ناقد، وإن من الخطأ القليل ما يسبق الخطأ الكثير، وإن من الحديث ما لو كان في خمسمائة حديثٍ لأفسده، كما قال أبو زرعة الرازيُّ مرةً، وإن منه لَمَا يُسقط ألفَ حديث، كما قال الدارقطنيُّ أخرى.

والله الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم.



http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059042
صورة الصفحتين قبل الانقطاع وبعده (من نماذج المحقق)

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059042
صورة السماعات التي فيها التصريح باسم الجزء المقحم (من نماذج المحقق، ويتضح غلطه بخطه -فيما يظهر-)

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059042
تعليقة الشيخ بديع الدين الراشدي على موضع الانقطاع في منتسخته

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059042
جزء حديث القصار عن ابن أبي حاتم (الظاهرية، مجموع 954 عام)

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059042
موضع بداية التطابق مع جزء حديث القصار عن ابن أبي حاتم (الظاهرية، مجموع 41 عمرية)

___________________________
[1] مقتبس عن سببٍ شهيرٍ من أسباب العلة عند المحدّثين، وهو دخول حديثٍ في حديث.
[2] صحيفة المدينة، ملحق التراث، السنة 20، العدد 37، الخميس 10 رجب 1417هـ.
[3] النسخة مروية عن الحافظ المزي (ت 742هـ)، فكيف تكون مكتوبة في القرن السابع؟ وقد ذكر المحقق (ص12) أن السماعات بخط محمد بن علي بن أيبك السروجي، وخط السروجي في السماعات هو خط النسخة -كما يعرفه كل ناظر-، والسروجي ولد سنة 714هـ، وتوفي سنة 744هـ.
[4] رأيتُ بعدُ المحققَ نسخ هذه التعليقة في حاشيةٍ له (ص39)، ونسبها للناسخ، ولم يشكل عليه شيءٌ مما سبق.
[5] خرَّجهما في توثيق الجزء (ص11).
[6] هذا عزو إلى بداية حوادث سنة 397هـ، وأما ذِكرُ ابن القصار، فبعدها بصفحتين.
[7] أمدَّني بمصورةٍ عن نسخة المكتبة الراشدية من الجزء أخي الشيخ محمود بن محمد حمدان، فجزاه الله خيرًا.
[8] وقفتُ له على نسختين خطِّيَّتين في المكتبة الظاهرية: إحداهما ضمن مجموع برقم (954 عام) (ق42-44)، والأخرى ضمن مجموع برقم (41 عمرية) (ق101-103).
[9] وهذه، فحسب، نقطة بحث هذه المقالة، إلا ما انجرَّ الحديثُ إليه تبعًا، وليس المرادُ تتبُّعَ دراسة المحقق وتحقيقه على سبيل الاستقصاء والاستيفاء.
[10] يمكن الوقوف على جمهرةٍ من أحاديث الجزء بتتبُّع مرويات أحمد بن منصور بن خلف المغربي، عن أبي طاهر ابن خزيمة، عن جده الإمام ابن خزيمة، فإن الظاهر أن ما روي بهذا الإسناد فهو من «فوائد الفوائد». وقد ذكر الشيخ طلال الدعجاني في «موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق» (2 /873) أن ابن عساكر أخرج بهذا الإسناد 23 حديثًا وأثرًا.
[11] من مقدمة الشيخ محمد طلحة بلال منيار لمقالته المشار إليها أولًا.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/103923/#ixzz4Ad7BmWFt
الصور المصغرة للصور المرفقة http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059035 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059035 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059035 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059035 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1465059035


المصدر...


الساعة الآن 12:18 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM