شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   اليمين المشروعة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=259586)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-25-2016 03:58 PM

اليمين المشروعة
 
اليمين المشروعة


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم






الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي لا تَنعقِد اليمين إلا به تعالى، أو باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل مَن نزَّه ربَّه عن الشريك والمثيل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله، واعلموا أن للأيمان وقْعًا في كلام العرب، وهي: جمع يمين، والمراد بها الحَلِف، والإنسان يَحلِف ليؤكِّد حُكْمًا بذكر مُعظَّم على وجهٍ مخصوص، وهذا الأسلوب في كلام العرب يُقصَد به تأكيد الكلام، وحروف القَسَم عندهم: الواو، والباء، والتاء؛ فيقولون: والله وبالله وتالله، كلُّ هذه الألفاظ جارية على لسان العرب، إلا أن استعمالهم للواو أكثر.

وإذا عرَفنا الغرض من الحَلِف وصور ألفاظه، فلا بد من معرفة الحَلِف المشروع الذي تَجِب فيه الكفارة، وما الكفارة؟
أيها المسلمون:
اليمين المشروعة هي: أن يَحلِف الإنسان بربه، أو باسم من أسماء ربه، أو صفة من صفاته؛ كأن يقول: وربي، وخالقي، وحياة الله، وكلام الله، وعزة الله، والقرآن؛ لأن القرآن كلام الله، والكلام صفة من صفاته، فهذه اليمين المشروعة، فإنْ برَّ بيمينه ففعل ما حلف على فِعله أو ترَك ما حلف على تَرْكه، كأن يقول: والله لأدرسن غدًا، فدرس، أو قال: والله لا أدرس غدًا، فلم يدرس، فلا شيء عليه؛ لأنه وفَّى بيمينه، فإن خالَف ما حلَف عليه وقد عقد اليمينَ من قلبه على مستقبل ممكن فِعله أو ترْكه، وجبتْ عليه الكفَّارة؛ لأنه حنَث في يمينه.

يا أخي المسلم، أمَّا الأيمان التي تجري على اللسان من غير قصدٍ، فهي لغو اليمين، ولا كفارة عليها؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ [البقرة: 225]، وفسَّرت هذا عائشة - رضي الله عنها - بقولها: كقول الرجل في بيته: لا والله وبلى والله، وإن حلف الإنسان على أمر ماضٍ صادقٍ فيه، فهو بار في يمينه، فإن كان كاذبًا، فهي اليمين الغموس، وقد سُمِّيت باليمين الغموس؛ لأنها تَغمِس صاحبَها في الإثم، ولا كفارة لها إلا التوبة والندم، وليَحذر المسلم من اليمين الغموس؛ لأن فيها وعيدًا شديدًا في القرآن والسنة.

اختَصَم الأشعثُ بن قيس هو ويهودي في أرض، فقال الرسول - عليه الصلاة والسلام -للأشعث: ألك بيِّنة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، قال الأشعث: إذًا يحلِف ويأخذ مالي، فنزلت الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن اقتطع مالَ امرئ مسلم بيمينه، لقي الله وهو عليه غضبان))، قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: ((وإن كان قضيبًا من أَراكٍ)).

أيها المسلمون:
بعد أن عرفنا اليمينَ التي تَجِب فيها الكفارة والتي لا تجب، فالمراد بالتكفير إذا أراد الإنسان أن يُخالِف ما حلف عليه أو خالفه، وكان ذاكرًا مختارًا مُكلَّفًا، ولم يقل في يمينه: إن شاء الله؛ فإن قال: إن شاء الله، أو خالَف يمينه ناسيًا أو مُكرَهًا، فلا شيء عليه.

والكفارة معناها: محو الذنبِ ومغفرته، والمراد بها: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من وسط طعام البلد، يُسلَّم لهم تملُّكًا، أو كسوتهم فيُكسى كل مسكين ما يكفيه في صلاته، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد واحدة من هذه الثلاثة، فإنه يصوم ثلاثة أيام، فيُخيَّر الإنسان بين هذه الثلاثة، وأما ما بين هذه الثلاثة والصيام فعلى الترتيب؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ﴾ [المائدة: 89].

فالذي ينبغي للمسلم أن يحفظ يمينه بالبرِّ والتقوى، وعدم الإكثار منها والكذب فيها، والتكفير إذا وجبت الكفارة، قال تعالى: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يُكلِّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم))، وذكر منهم الرجلَ الذي يُنفِق سلعتَه بالحَلِف الكاذب؛ فلا يبيع إلا بيمينه، ولا يشتري إلا بيمينه، وعلى المسلم ألا يَحلِف إلا على خير، فلا يحلف على فعل مُحرَّم، أو ترْك واجب، أو فِعْل مكروه؛ كقطيعة رحِم، وعدم فعل الخير، فإنْ فعل ذلك، فلا يُنفِّذ بل يُكَفِّر، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إني والله، إن شاء الله لا أحلف على يمين، ثم أرى خيرًا منها، إلا كفَّرتُ عن يميني، وأتيتُ الذي هو خير))، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].

أيها المسلمون:
إن المخلوق لا يجوز أن يَحلِف بغير الله؛ لأن الحلف يتضمَّن تعظيم المحلوف به، ولا يجوز تعظيم أحد بهذه الصورة إلا الله - عز وجل - فالحَلِف بغير الله يُخِلُّ بالعقيدة، جاء يهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنكم تُشرِكون؛ تقولون: ما شاء الله وشئتَ، وتقولون: والكعبة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقال: ورب الكعبة، ما شاء الله ثم شئتَ؛ لأن الواو تقتضي المساواة في الدرجة، ولا أحد في درجة الله، فالحَلِف بغير الله شِرْك ينافي التوحيد أو كماله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَحلِفوا بآبائكم، مَن كان حالفًا، فليَحلِف بالله أو ليَصمُت))، فهو يُنافي كمالَ التوحيد إذا لم يَقصِد الحالف تسوية المحلوف به بالله، فإن قصد ذلك، فهو مُنافٍ للتوحيد، ولقد نبَّه الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - على هذه المسألة في دعوته التي حماها آل سعود - جزى الله الجميع خيرًا.

ومما هو شائع في ألسنة كثير من الناس من الحلف بغير الله قولهم: وحياتك، والكعبة، والشرف، ورأسك، والنبي، ونحو ذلك.

فعلى مَن يفعل ذلك لكونه اعتاده لسانه أو جاهلاً أو قاصدًا، عليه أن يتقي الله تعالى ويترك كل ما يُخِل بعقيدته بالله - عز وجل - والرجوعُ إلى الحق فضيلة، والتمادي في الباطل رذيلة، نسأل الله أن يُرينا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 225].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر والحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







المصدر...


الساعة الآن 11:46 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM