شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   التحذير من عادات الجاهلية (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=254795)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-14-2016 05:03 AM

التحذير من عادات الجاهلية
 
التحذير من عادات الجاهلية


الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل






الحمد لله الذي بعَث نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى والنور، وأنقَذ به من الضلالة والغواية، وأرشَدَ به إلى طريق السعادة، أحمده - سبحانه - على ما أولاه من نعمة الإسلام، وأشكره والشكر له من نِعَمِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمةً للعالمين، والحريص على هداية أمَّته؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهتدين بهديه، والسالكين لسبيله، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - واشكُروه على نعمة الإسلام، فقد بعَث الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في أمَّةٍ كانت في جاهليَّةٍ جهلاء، وضَلالة عمياء، وتعبُد الأوثان، وتتحاكَم إلى الطواغيت والكهَّان، وكانت الحياة حياة ظلم وبغي، والقويُّ يأكُل الضعيف، وكان الناس في قلقٍ واضطرابٍ وفَوضَى، ولا يُعرَف معروف، ولا يُنكَر منكر، والفضل والفخر بالأحساب والأنساب، والغالب هو الآمر والناهي، حياة سِباع ضارية مفترسة لصِغار الحيوانات، حتى بعث الله نبيَّ الهدى والرحمة، فأنقذ الناس من الغواية، وخلَّصهم من الظلم والجبروت، فعمَّ الخير بتوحيد الله وإخلاص العمل له - سبحانه وتعالى - وسعدت الأمَّة بطاعة ربها، وزال الظلم، وحلَّت المودة، وترابطت الأمَّة، وتآلفت القلوب، وتصافت النفوس، وحصلت المؤاخاة، وآثر البعض البعضَ الآخر على نفسه، فتلك من أخلاق الإسلام الحميدة، وآدابه العالية، فما أحوجنا إلى التخلُّق بها، والتأدُّب والانصياع بها، لنسعد أفرادًا وأسرًا ومجتمعًا وأمَّة.

إنَّ من المأسوف له أنْ نرى ونسمع من عادات الجاهلية الممقوتة ما يُنشَر ويُتناقل في مجتمعنا الإسلامي، وقد أنقذنا الله بالإسلام ورَضِيَه لنا دينًا، وأتمَّ علينا النعمة؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

فاحذروا يا عباد الله من عادات الجاهليَّة، ومن ذلك التعصُّب القبلي، والتعاون على الظلم.

لمَّا دعا رجلٌ قومه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعا الآخر قومه في شِقاقٍ وقع بينهما، فقال أحدهما: يا آل فلان، وقال الآخَر: يا آل فلان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُرِكم))[1].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود، إلا بالتقوى))[2].

فهنا يكون العدل والمساواة، ولا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتقوى والأعمال الصالحات.

فما أحلى تعاليم ربنا لدى مَن عقلها وعمل بها، فأخذوا من أسباب البُعد عن منهج الله وصِراطه المستقيم، وتعاوَنُوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 102-104].

فحافِظوا يا عباد الله على نعمة الإسلام التي مَنَّ الله بها عليكم، فإنَّ السعادة الروحية والبدنية في التمسُّك بتعاليم هذا الدِّين الحنيف، والاعتصام بحبل الله والاجتماع على كلمة الحق قوَّة ضاربة للأعداء، وحِصن منيع لا يَرُومه لصٌّ ولا شيطان، ونِعَمُ لله لا تحفظ إلا بطاعته، فاحفَظوا نعم الله عليكم بالأعمال الصالحة المتَّفقة مع هدْي نبينا محمد, - صلى الله عليه وسلم -، الذي بُعِثَ هاديًا ومنقذًا للبشرية، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بُعِثتُ لأتمِّم مكارمَ الأخلاق)).

وقد دعا الناس إلى توحيد الله، وإخلاص العمل له، ونهاهم عن الشرك، وحذَّرهم من عُقوبات المعاصي.

فاتَّقوا الله يا عباد الله، واحذَرُوا ما حذَّركم منه نبيُّكم؛ فإنَّه لا خير إلا دلَّكم عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرَكم منه، فالسعيد مَن أطاع مولاه، واهتدى بهدي نبيِّه، واقتفى أثره، والشقي مَن خالف أوامر الله وارتكب محارمه.

اللهم اجعلنا هُداة مُهتَدِين، واسلُك بنا صِراطك المستقيم وثبِّتنا عليه يا أرحم الراحمين.

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

واعلَموا - رحمكم الله - أنَّنا في حاجةٍ إلى محاسبة النفوس، وتفقُّد الأحوال، وعرض أعمالنا على تعاليم دِيننا، فما وافقها حمدنا الله على ذلك، وازدَدْنا خيرًا وفضلًا، وسألنا الله الثبات على دِينه، وما خالَفها أو وجدناه مدخولًا بما يخالف تعاليم دِيننا عالجناه بالدواء الشافي؛ كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فهي أحقُّ بالعلاج من الأبدان، ولا شكَّ أنَّ المنصف منَّا والبعيد عن الهوى، يُدرِك أنَّ مجتمعنا قد شيب بشيءٍ من أعمال الجاهليَّة، وعاد فيه كثير من عاداتها؛ ولهذا نجد المجتمع غير راضٍ عن وضعه، ولا مطمئن لأعماله، فهناك التعامُل بالربا ممَّا يضرُّ بالفقير، وهناك التطاول من بعض الأقوياء ممَّا يضرُّ بالضعفاء، وهناك الترفُّع من بعض ما يرَوْن لهم منزلةً في أسرة على أسرة أخرى، وهناك إيقاد الشحناء، وإذكاء نار البغضاء بسبب التنافُس على حُطام الدنيا، والحِرص على كسْب القضية ولو كان الكسب باطلًا، وهناك الشحُّ والبخل، وفي الواجبات؛ ممَّا يحدث البغضاء والتنافر والأحقاد بين أصحاب الحق، وبين ما نعيه.

فما أحوجنا إلى تقوى الله في السر والعلن، ومُعالجة أوضاعنا بما يكفل السعادة في مجتمعنا الذي هو أسعد المجتمعات بإسلامه وتعاليم دينه.


[1] رواه البخاري: (4905)، مسلم: [62 ـ (2584)] بنحوه.

[2] مسند الإمام أحمد: (5/411).








المصدر...


الساعة الآن 08:28 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM