شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   التذكير بالموت (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=246724)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-01-2016 11:53 AM

التذكير بالموت
 
التذكير بالموت


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم





الحمد لله الدائم الباقي، الحي القيوم الذي لا يموت، سبحانه تَفرَّد بالبقاء وحده! ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وأشهد أن لا إله إلا الله، خلق الإنسانَ، وأوجده في هذه الحياة الدنيا لأَجلٍ محدود، ووقت معلوم ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاطبه ربه بقوله: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، الذين استعدوا للموت وعمِلوا لما بعده، حيث السؤال والحساب، والثواب والعقاب.

أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واعلموا أنه ما من مخلوق إلا وقد كتب اللهُ عليه الفناء، فالإنسان يوجد في هذه الدنيا بغير اختياره، ويخرج منها بغير طوعه بالموت على أي سبب من الأسباب، فهو حَتْم مقضي، لا يتمارى في هذا اثنان، ولا يَختصِم فيه خَصمان؛ وإنما المقصود التنبيه على أمرين:
الأمر الأول: تذكُّر الموت في هذه الدنيا، فإنه يَحُد من العمل لدار الدنيا، ويُقلِّل من التعلق بها، ويقصر الأمل فيها، فلا يُعطيها الإنسان أقصى قوَّته وغاية أمله؛ لعِلمه بانتهائها، أو موافاته أجله قبل نهايتها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثِروا من ذِكر هاذم اللذات؛ فإنه يذكر الآخرة)).

الأمر الثاني: ما عسى أن يلقاه الإنسان بعد موته؛ فإنه ثمرة حياته في الدنيا ومقتطفات أعماله، ففي الدنيا عمل ولا حساب، وزرع ولا حصاد، وغرْس ولا قِطاف، وفي الآخرة حساب ولا عمل، وحصاد لما زُرِع، وقِطاف لما غُرِس، ففي ذِكْر الموت وما بعده راحة للمطيعين، ووَحْشة للعاصين، وتسلية للدعاة المخلصين؛ حتى لا يحزنوا إذا لم يُجِب المدعوون، قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، فكل ذي رُوح لا بد أن يُلاقي مصرعه، طال الزمن أو قَصُر.

قال الفخر الرازي - رحمه الله - على الآية الكريمة: "اعلم أن المقصود من هذه الآية تأكيد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، والمبالغة في إزالة الحُزْن من قلبه؛ وذلك من وجهين:
أحدهما: أن عاقبة الكل الموت، وهذه الغموم والأحزان تذهب وتزول ولا يبقى شيء منها، والحزن متى كان كذلك، لم يَلتفِت العاقل إليه.

الثاني: أن بَعد هذه الدار دارًا يتميَّز فيها المحسن عن المسيء، ويتوفَّر على عمل كل واحد ما يليق به من الجزاء، وكل واحد من هذين الوجهين في غاية القوة في إزالة الحزن والغمِّ عن قلوب العقلاء.

وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: يخبر تعالى إخبارًا عامًّا يَعُم جميع الخليقة بأن كل نَفْس ذائقة الموت؛ كقوله تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحمَلة العرش، ويَنفرِد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولاً سبحانه وتعالى.

فهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس؛ فإنه لا يبقى أحدٌ على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة، وفرغت النطفة التي قدَّر الله تعالى وجودها من صلب آدم، وانتهت البريَّة، أقام الله تعالى القيامة وجازى الخلائق بأعمالها، جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدًا مثقالَ ذرَّة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [آل عمران: 185]، فأجر المؤمن ثواب، وأجر الكافر عقاب، فلم تكن النعمة والبلية في الدنيا أجرًا وجزاء؛ لأنها عُرْضة للفناء، ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران: 185]؛ أي: ظفر بما يريد ونجا مما يخاف، وفي الحديث: ((مَن أحبَّ أن يُزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتُدرِكه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه))، وفي حديث آخر: ((موضِع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]))؛ أي: تَغُر الإنسانَ وتخدعه، فيغتر بطول البقاء، وهي دنيئة فانية، وقليلة زائلة.

قال القرطبي - رحمه الله -: "والغَرور بفتح الغين: الشيطان يَغُر الناس بالتَّمنِية والمواعيد الكاذبة"، وقال ابن عرفة - رحمه الله -: "والغَرور: ما رأيت ظاهرًا تحبه، وفيه باطن مكروه أو مجهول، والشيطان غَرور؛ لأنه يحمل على محابِّ النفس، ووراء ذلك ما يسوء، قال: ومن هذا بيع الغَرَر، وهو: ما كان له ظاهر بيع يغر وباطن مجهول".

فالدنيا لها ظاهر ولها باطن، فظاهرها متاع للسرور؛ ونِعْم المتاع للمطيعين! وباطنها مطية الشرور، وبئس المطية للعاصين! الذين يغترُّون بمظاهرها وزخارفها، ويغترون بملذَّاتها وطيباتها، ويَغفُلون عما من أجله خُلِقت وخُلِق أهلها، فيُسَرون بها، ويظنون أنها باقية، فيُصوبونها أنظارَهم وأفكارهم ووِجهاتهم، وما دروا أنها لهم طاوية ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].

فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، واستعِدُّوا للموت دائمًا، وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







المصدر...


الساعة الآن 01:18 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM