شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   تأخر المطر وهبوب الريح العاصفة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=246706)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-01-2016 11:53 AM

تأخر المطر وهبوب الريح العاصفة
 
تأخر المطر وهبوب الريح العاصفة


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم




الحمد لله مُصرِّف الأحوال والأكوان، أَحمَده سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجَعون، وأَشكُره على جميع نِعَمه في السَّراء والضراء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا ربَّ سواه، ولا نَعْبُد إلا إياه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من عرَف قَدْر الله تعالى، وبيَّن أن كلَّ شيء بأمر الله تعالى وبتدبيره وتسخيره، صلى الله وسلم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضل والإيمان، أهل الحق والقرآن، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فأيها الناس، اتقوا الله تعالى، واقدُروه حقَّ قدْرِه، ولا تُخالِفوا أمره، ولا تَرتكِبوا نهيه بالتعرُّض لزَجْره، واعلموا أن الله تعالى يبتلي الخلقَ بالضراء؛ هل يَجزَعون أم يصبرون؟ وبالسراء؛ هل يشكرون أم يكفرون؟ ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، وإن من أنواع البلوى والامتحان للخَلْق: الابتلاء بتأخر الأمطار، ووجود الجدب والإقفار، وبتكوين الرياح والعواصف التي تُدمِّر ما شاء الله تعالى تدميره، فقد تكون رحمة؛ فتلقح السحاب بتقديره، وتسوقه إلى حيث أمرها ربها لأن تُمطِر فيه ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [فاطر: 9]، ولا يُنزِل سبحانه المطر إلا بمقدارٍ تقتضيه حِكْمته: ﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ﴾ [الزخرف: 11]، وينزله سبحانه في حال الرخاء والشدة: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]، ولربما منَع المطر؛ حتى لا يكون سببًا لطُغيان الناس واستمرارهم في البغي والعصيان، وليُظهِروا إليه الافتقارَ: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27].

عباد الله، لقد تأخَّر المطرُ عن قوم نوح، كما انقطع الإيلاد، فلم تَلِد نساؤهم لمدة أربعين سنة، ونبيهم نوح يدْعوهم لأن يتضرَّعوا إلى ربهم، ويُقلِعوا عن معصيته، يدعوهم جهارًا وإسرارًا، ويأمرهم بأن يستغفروا ربَّهم إنه كان غفارًا، يُرسِل السماءَ عليهم مِدرارًا، ويمدهم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهارًا، وهم لا يُجيبون بغيًا واستكبارًا، حتى أهلكهم الله تعالى بالغَرَق، كما أهلك غيرَهم بالريح العقيم، التي لا تَلِد خيرًا، وهم عاد؛ ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6، 7]، وقال: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42].

عباد الله، أتدرون ما واقع عاد مع هود نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ إنه التنكُّر لدعوته، والاستهزاء بإنذاره، والاستبعاد لعقوبة الله تعالى، يُنذِرهم ويُخوِّفهم ويقول: هذا بيد الله تعالى تعجيله أو تأجيله، وإنما هو مُبلِّغ عن الله تعالى، فليس الأمر باختيارهم وتوقُّعاتهم حسب ما تُملي لهم رغباتهم، وهم في غيِّهم وعِنادهم سادِرون، يرون السوادَ المتراكمَ في السماء ويقولون: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]، وما دروا أنه ما استَعْجَلوا به؛ ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24، 25].

عباد الله، إن الواجب على خَلْق الله تعالى أن يتأدَّبوا مع ربِّهم وخالِقهم، ومُربِّيهم ومُصرِّف أحوالهم، ومصرِّف الرياح والأكوان - بالاعتقاد والأقوال والأفعال، التي تُرضي ربهم عز وجل؛ فإذا رأوا الريحَ نشأت في الجوِّ، فليخافوا من أن تكون كريح عاد، وليَرْجوا ربهم أن تكون رياحًا ملقحات، وللسحاب سائقات، فهي حينما تنشأ تحتمل هذا؛ فحينما تَحمِل العذابَ عبَّر عنها القرآن بالريح، وحينما تَحمِل الخيرَ والمطرَ عبَّر عنها بالرياح، والعبد لا يعلم عن نتائجها إلا بعد حصول المطر أو ما تُسبِّبه من التدمير والحوادث؛ لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشتدُّ خوفُه إذا رأى شيئًا في السماء، فقد روتْ عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غَيمًا أو ريحًا، عُرِف ذلك في وجهه، قالت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرِحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه عرفتُ في وجهك الكراهية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، ما يؤمِّنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قومٌ بالريح، وقد رأى قوم العذابَ، فقالوا: هذا عارِضٌ مُمطِرنا)).

ومما أدَّب به الرسولُ صلى الله عليه وسلم أمَّتَه: النطق الجميل حين رؤيتهم الريح أن يتوجَّهوا إلى مُصرِّفها، ويَضرَعوا إليه أن يجعلها خيرًا لا عذابًا؛ فعن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَسُبوا الريحَ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنَّا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شرِّ هذه الريح وشر ما فيها وشرِّ ما أُمرت به))، ففي الحديث النهيُ عن سبِّ الريح، والإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره، والإرشاد إلى أنها مأمورة، وإلى أنها قد تؤمر بخير، وقد تؤمر بشر، وقد عقد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - بابًا لهذه المسألة أسماه: باب النهي عن سب الريح؛ حيث إن في السب منافاة لكمال التوحيد، وقد يؤدِّي إلى منافاته بالكلية، ثم ساق هذا الحديث، وقال الشارح الشيخ عبدالرحمن بن حسن - رحمهما الله - على هذا الحديث في تعليل النهي عن سب الريح: لأن الريح إنما تَهُبُّ عن إيجاد الله تعالى وخلْقه لها وأمْره؛ لأنه هو الذي أوجدها وأمَرها، فسبُّها سب للفاعل، وهو الله سبحانه، كما ورد النَّهي عن سبِّ الدهر، وهذا يُشبِهه ولا يفعله إلا أهل الجهل بالله تعالى، وبدينه وبما شرعه لعباده، فنهى صلى الله عليه وسلم أهلَ الإيمان عما يقوله أهلُ الجهل والجفاء، وأرشدهم إلى ما يجب أن يُقال عند هبوب الرياح، فقال: ((إذا رأيتم ما تَكْرهون، فقولوا: اللهم إنَّا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شرِّ هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به))، يعني: إذا رأيتم ما تكرهون من الريح إذا هبَّت، فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد؛ ففي هذا عبودية لله تعالى، وطاعة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، واستدفاع للشر به وتَعرُّض لفضْله ونعمته، وهذه حال أهل التوحيد والإيمان خلافًا لحال أهل الفُسُوق والعصيان، الذين حُرِموا ذوقَ طعم التوحيد الذي هو حقيقة الإيمان، فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، واعتبِروا يا أولي الأبصار لعلكم تفلحون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ ﴾ [فاطر: 9].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







المصدر...


الساعة الآن 02:03 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM