شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   العلوم و التكنولوجيا --- كل جديد ---- في كل المجالات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=313)
-   -   هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟ (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=242934)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-24-2016 02:25 PM

هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟
 
هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟


د. أحمد إبراهيم خضر





اعترافات علماء الاجتماع
الحلقة الثامنة عشر
هل تحتاج بلادنا إلى علماء اجتماع؟


الإجابة بـ(لا) قطعًا.

لكنَّ هذه الـ(لا) ليست من عندنا.

إنها من أفواه وأقلام عُلَماء الاجتماع أنفسهم.

كان رجال الاجتماع في بلادنا وما زالوا يتصوَّرون أنهم طليعةُ هذه الأمَّة وضميرها، وأنهم القُدوة والنموذج، وأنهم الطلائع والضمائر.

كانوا -وما زالوا- يعتقدون أنهم لا يُبالِغون إذا تصوَّروا أنهم يملكون في أيديهم (عناصر الترشيد الضروريَّة) للمجتمع، وأنهم يستطيعون توصيفَ المراحل التي يمرُّ بها هذا المجتمع وتحليل قُواه الاجتماعيَّة الفاعلة، وأنَّه بإمكانهم تقديم البدائل المتاحة أمامَه[1].

لقد وصَل الأمر برجال الاجتماع في بلادنا إلى الاعتقادِ بأنَّ الخبير منهم يجبُ التبرُّك به[2].

نبَع هذا التصوُّر الذاتي الوهمي المُبالَغ فيه عند رجال الاجتماع من نظرتهم إلى المجتمع الذي لا يخرج عندهم عن مجتمعٍ من الجهَلَة والأميِّين والمرضى والجائعين والمتأخِّرين، الذين على رِجال الاجتماع تنميتهم وعِلاجهم وعصرنتهم أو تغريبهم، والإنسان العربي عندهم إنسانٌ تقليدي مُتأخِّر مُتخلِّف[3].

ما هي عناصر الترشيد الضرورية هذه التي يعتقد رجال الاجتماع أنهم يملكون مفاتيحها؟ إنها أيُّ شيء يمكن أنْ يكون إلا (الإسلام).

إنَّ من أبرز صِفات هذا الإسلام أنَّ الدِّين والعلم فيه مُتَساندان ولا يتَصادمان كالحال في بلاد الغرب.

ومع ذلك فإنَّ من مُسلَّماته الجوهريَّة (الإيمان بالغيب).

الله -تعالى- نفسه (غيب)، والملائكة والجن والشياطين والجنة والنار والبعث والحساب واليوم الآخر، كلُّ ذلك (غيب)، ولن يستقيم الإيمان إلا بالاعتقاد في هذا (الغيب).

وإذا كان علم (الغرب) قاصرًا عن إثبات هذا الغيب فإنَّ هذا ليس لعيبٍ في الدِّين، وإنما لعيبٍ وقصورٍ في العلم ذاته.

سارَ رجال الاجتماع في بلادنا وراء الغرب (حذو القذَّة بالقذَّة) ودخَلوا وراءَه (جحر الضب) الذي تحدَّث عنه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- ففصلوا بين الدِّين والعلم، ورفضوا الإيمان بالغيب؛ بحجَّة أنَّه لا يستقيم مع العلم.

الدكتور (أحمد الخشاب) هو أحد رُوَّاد علم الاجتماع في بلادنا، تتَلمَذ على يدَيْه مُعظَم مَن يشغلون الآن كراسي علم الاجتماع في جامعاتنا العربيَّة.

لقد علَّمَهم أحمد الخشاب عناصرَ الترشيد الضروريَّة، هذه التي يتحدثون عنها الآن.

علَّمَهم فصلَ الدِّين عن العلم، ورفْض الإيمان بالغيب الذي يعدُّه أيديولوجيَّة تُمثِّل إطارًا مَرجِعيًّا لتفسيرٍ تبريري تحكُمُه عقليَّة تسلُّطيَّة رجعيَّة.

يقول أحمد الخشاب في كتابه الذي خصَّصَه لهذا الترشيد: "على أنَّه يجب أنْ نُؤكِّد أنَّنا نرفُض النظرة التقليديَّة للقِيَم الروحيَّة التي تتمثَّل في مجموعة التصوُّرات الطقوسيَّة التي تَحوِيها الساحة الدينيَّة وتغذيها الأيديولوجيَّة الغيبيَّة؛ ذلك لأنَّنا نعلَمُ عن يقينٍ أنَّ الأيديولوجيَّة الغيبيَّة كانت ولا تزال تمثِّل الإطار المرجعي للتفسيرات التبريريَّة للعقليَّة التسلُّطيَّة الرجعيَّة"[4].

ويُعتَبر أحمد الخشاب من أوائل الذين حاوَلوا صِياغة نظريَّة اجتماعيَّة عربيَّة، وكان ذلك في عام 1970.

وأوَّل مُسلَّمات هذه النظريَّة هو الإطاحة بما أسماه بـ(الأطر العقائديَّة التقليديَّة) التي رأى أنها تُعبِّر عن (طبيعة غير علميَّة).

اعتبر الخشاب أنَّ هذه العقيدة من أهمِّ العثرات التي تَقِفُ في وجْه هذه النظريَّة المنشودة[5].

ولنَعُدْ قليلاً إلى مرحلة ما قبل الخشاب.

كان عام 1908 هو عامَ تأسيسِ أوَّل جامعة أهليَّة علمانيَّة في مصر أُلقِيتْ فيها أوَّل محاضرات في علم الاجتماع (القانوني).

وكانت الفترة من عام (1924 إلى عام 1936) هي فترة التحوُّل التدريجي لما يُسمُّونه بـ(علم الاجتماع العلمي).

وبفِعل تأثير الأفكار التي حملها (رفاعة الطهطاوي) والاحتكاك بالغرب في الحرب العالمية الأولى، تدفَّق إلى مصر كمٌّ من الأفكار الجديدة التي قال عنها رجال الاجتماع في بلادنا إنها: "تحدَّت الأفكار القديمة وأعدَّت لمرحلة الانقِطاع عن الماضي"؛ أي: (الإسلام).

شهد عام (1924) تأسيسَ الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًّا) وهي جامعةٌ حكوميَّة حلَّت محلَّ الجامعة الأهليَّة.

ألقيت في هذه الجامعة أوَّل محاضرات منظَّمة في عِلم الاجتماع.

وكان من المنطقيِّ مع تأسيس الجامعة الأمريكيَّة في القاهرة في مُنتَصف العشرينيَّات تقديم برنامجٍ منظَّم في علم الاجتماع، وبذلك أحكَمَ الأمريكيُّون مع العلمانيين في مصر ضبْط خُيوط تحقيق هذا الانقِطاع عن الإسلام.

أمَّا أوَّل كراسي الأستاذية في علم الاجتماع فقد شغلها بالطبع أساتذة أجانب بارزون وعلى رأسهم إيفانز برتشارد (1932-934)، وآرثر موريس هوكارت (1934-1938)، أمَّا في جامعة الإسكندرية فقد شغل كراسي الأستاذية في علم الاجتماع أساتذة غربيُّون بارزون على رأسهم (راد كليف براون) و(ردنك أورلخ).

لقد شَهِدتْ هذه الفترة انتشارَ الأفكار (الإلحاديَّة) للفلسفة الوضعيَّة لـ(أوجست كنت)، وللمدرسة الفرنسية في علم الاجتماع، وأفكار المدرسة الأنتربولوجية البريطانية، والأفكار التحرُّرية السائدة في الغرب[6].

وعن موقف هؤلاء الأساتذة الأجانب من الدِّين يكفي هنا أنْ نستَشهِد بمقولةٍ مهمَّة قالها قطب الأنتربولوجيا الشهير (إيفانز برتشارد) الذي كان أوَّل مَن شغَل كرسي الأستاذية في جامعة القاهرة، والذي أشَرْنا إليه في الفقرة السابقة، يقول برتشارد في عام 1959: "إنَّ الأنتربولوجيين بصفةٍ عامَّة ذووا اتِّجاهات سلبيَّة عدائيَّة كئيبة ضد الدِّين".

إنَّ العلماء الأوائل الذين أثَّروا في الفكر الأنتربولوجي لأكثر من قرنٍ كامل يُوقِنون تمامًا بعدَم مصداقيَّة الدِّين المنزَّل، وأنَّ كلَّ العقائد نسبيَّة.

ورأى عُلَماء القرن التاسع عشر أنَّ الدين غير حقيقي، وعديم الفائدة، ويجب استئصاله والتقليل من آثاره وإنقاص هيبته بالتقدُّم العلمي، وحينما تحقَّقوا من الوجود العام للدِّين عبر التاريخ الإنساني حاوَلوا أنْ يشرَحُوا ما اعتبروه وهمًا بردِّه إلى عوامل نفسيَّة.

إنَّ معظم البارزين من علماء الأنتربولوجيا لم يكن لهم اعتقادٌ دِيني؛ لأنَّ العقائد كلها عندهم مُضلِّلة[7].

نما علمُ الاجتماع في بلادنا بصورةٍ سريعةٍ لتحقيق هذا الانقطاع عن الدِّين وعن الإسلام.

عرَّف علم الاجتماع موضوعاته وأهدافه وإمكانيَّاته.

وإذا قِيسَت الفترة الزمنيَّة التي رسخ فيها هذا العلم في الجامعات العربيَّة فإنَّ نموَّه ولو مقيسًا فقط بعدَدِ خرِّيجيه لَيُشكِّلُ تقدُّمًا ملحوظًا لم يصل إليه نظيره في الجامعات الغربية والشرقية قي الفترة نفسها[8].

شهد علم الاجتماع في تطوُّره الأكاديمي التنظيمي مراحلَ توسُّع ضخمة تركَّز أكثرها خلال السبعينيَّات؛ حيث أُنشِئ عددٌ كبير من أقسام الاجتماع في الجامعات العربيَّة سواء في مصر على امتِداد رُقعتها من القاهرة حتى أسوان، أو على امتداد الوطن العربي من الكويت وبغداد والدوحة والإمارات شرقًا حتى فاس والرباط غربًا، مرورًا بكلِّ الجامعات الكبيرة والصغيرة حتى تلك الجامعات التي يُطلِق عليها (محمود الجوهري) - أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة - (الجامعات الدينية) كجامعة الأزهر وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية[9].

وهنا تكمن الكارثة الكُبرَى وهي غزْو علم الاجتماع لما يُسمُّونه بالجامعات الدينيَّة.

وسنستشهد هنا بنموذجٍ واحد لبيان ضَخامة حجم هذه الكارثة.

هذا "زيدان عبدالباقي" أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات بجامعة الأزهر يقول لطالباته: "هذا، وتُواجِه البلاد الإسلاميَّة مشكلة مختلفة تمامًا تَدُور حول جمود التقاليد الدينيَّة، الأمر الذي يتعارَض مع التغييرات التكنولوجيَّة.

ذلك أنَّ الإسلام قد فرَض كثيرًا من الأوامر والنواهي على مُعتَنقِيه، الأمر الذي يتعارض مع أيِّ تغيير يستهدفه التقدُّم العلمي والتكنولوجي، وإذا كان من المتَّفق عليه أنَّ العقيدة الدينيَّة تتطابق مع كلِّ نموذج معقول من الفكر، فإنَّ غاية واحدة لطيف أنوار العقيدة الدينيَّة تجعل السحر بمثابة العنصر السائد للدِّين"[10].

لم يكنْ باستطاعة علم الاجتماع في بلادنا أنْ ينمو دون أنْ يقدم مَزاعم عريضة عن فائدته المجتمعيَّة العامَّة وأهليَّة مُمارِسيه واحترافهم، فلم يتردَّد مُؤسِّسوه ودارسوه أنْ يُعلِنوا منذ البداية أنَّ علمهم يُعَدُّ (وصفة طبيَّة ناجحة) لعلاج جميع أمراض مجتمعهم[11].

ولهذا فإنَّه في خلال نِصف القرن الأخير دخَل علم الاجتماع ضِمن مناهج الدراسات الجامعيَّة في أقسام وشُعَب مُتخصِّصة يصل عددها إلى حوالي ثلاثين شعبة، وبعد أنْ كان يدرس في البداية على أيدي هواة من المتخصِّصين في فُروعٍ معرفيَّة أخرى سرعان ما أصبح تدريسُه على أيدي مُتخصِّصين في علم الاجتماع ذاته، يصلُ عددهم بمعيار الحصول على الدكتوراه إلى حوالي المائتين.

ويصل عدد الطلاب المتخصِّصين في علم الاجتماع في الجامعات والكليات العربية حتى الآن إلى حوالي "عشرة آلاف" طالب يتخرَّج منهم سنويًّا حوالي "ألفي" طالب.

كما يوجد في الوطن العربي ما لا يقلُّ عن "خمسة عشر" مركزًا بحثيًّا في علم الاجتماع أو بعض فروعه.

ويظهَر في المتوسط حوالي "مائة" كتاب سنويًّا يُؤلِّفها أساتذة الاجتماع العرب، بالإضافة إلى "مئات" من الأوراق المقالات والتقارير البحثيَّة والاستشاريَّة، علاوةً على "عشر" مجلات أكاديميَّة مُتخصِّصة في علم الاجتماع[12].

وبعد سبعة وسبعين عامًا من هذا النموِّ والازدهار والتضخُّم الكمي والمؤسَّسي في علم الاجتماع (المنقطع عن الإسلام) اجتَمَع رجال الاجتماع العرب في تونس وبالتحديد في يناير 1985؛ لمناقشة محصلة هذا الانقطاع، وهل أثمر التخريب المتعمد للنسيج الاجتماعي في بلادنا، وذلك في ندوة بعنوان (نحو علم اجتماع عربي).

كان أهم نتائج هذه الندوة الاعتراف الصريح بالفشل الذريع الذي تجسَّد في إجاباتهم على سؤالٍ طرَحُوه بأنفسهم هو: (هل يستطيع الوطن العربي أنْ يعيش ويزدَهِر بدون علماء اجتماع؟)، اعترف رجال الاجتماع ويعتصرهم الألم الشديد اعترافًا جليًّا بأنَّ بلادنا ليست في حاجةٍ إليهم، وأنها ليست في حاجةٍ إليهم الآن كما لم تكن في حاجة إليهم في الماضي.

وهذا هو نصُّ اعترافات سعد الدين إبراهيم الأستاذ بالجامعة الأمريكيَّة بالقاهرة يقول فيها مجيبًا على السؤال السابق: "راوَدَنِي هذا السؤال منذ سنوات وأنا أُفكِّر في كتابة هذه الدراسة التي أُشارِك بها زُمَلائي المشتغِلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي.
وكنت قد قرَّرت أنْ تكون مساهمتي المتواضعة في هذه الندوة جولة صريحة في أعماق الضمير السوسيولوجي، إنْ كان ثمة ضمير سوسيولوجي.

وحتى لا أطيلَ في المقدمات فإنَّ إجابتي الشخصية عن السؤال بكلِّ الصدق المؤلم هي أنَّه (نعم).

نعم؛ يستطيع مجتمعنا أنْ يعيش ويتقدَّم بلا علماء الاجتماع العرب، ولكي أُخفِّف على نفسي ألم هذه الإجابة حاوَلتُ توجيهَ هذا السؤال نفسِه بالنسبة إلى فئاتٍ أخرى في المجتمع، وخلصت إلى أنَّ هناك فئات عديدةً لا يستطيع المجتمع أنْ يعيش بدونها أهمها: الفلاحون والعمال ورجال الإدارة والجيش، وأنَّ هناك فئات أخرى لا يستطيع المجتمع أنْ يتقدَّم بدونها أهمها: المهندسون والأطباء والعلماء وخبراء التكنولوجيا والاقتصاد... أمَّا علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا والنفس والسياسة والإعلام والآثار وفئات أخرى عديدة فيُمكِن للمجتمع أنْ يعيش ويتقدَّم بغيرهم.

وبشكلٍ آخَر لو وضَعْنا السؤال: ماذا يحدُث للوطن العربي إذا اختفى كلُّ علماء الاجتماع فجأة؟

والإجابة هي: لا شيء سيحدث للمجتمع سلبًا أو إيجابًا، وينطبق ذلك على فئاتٍ مهنيَّة أخرى كما ينطبق على مجتمعات أخرى عديدة.

وبالمقابل هناك مجتمعات تقدَّمت في العصر الحديث دون أنْ يوجد فيها فئة مهنيَّة تُسمَّى علماء الاجتماع؛ مثل اليابان إلى ثلاثينيَّات هذا القرن، والصين إلى عُقودٍ متأخِّرة من هذا القَرْنِ.

كذلك ليس هناك ما يثبت قطعيًّا أنَّ بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة ما كان لها أنْ تتقدَّم خِلال القرنين الأخيرين لولا وجودُ علماء الاجتماع فيها.

وما أريد أنْ أخلص إليه هو أنَّ علماء الاجتماع كفئةٍ مهنيَّة مُتخصِّصة ليست ضروريَّة في المجتمع الحديث، وبالطبع لم تكن ضروريَّة في المجتمع التقليدي"[13] أ.هـ.

لم يكن هذا الاعتراف الصريح والمؤلم هو الاعتراف الوحيد لمحصِّلة (الثورة على الدِّين والانقطاع عن الإسلام)، إنما كانت هناك لرجال الاجتماع اعترافاتٌ أخرى لا تقلُّ شدَّةً في إيلامها وقسوتها عن هذا الاعتراف.

أولاً: الاعتراف بأنَّ علم الاجتماع يُوجَّه إلى مستهلكين عاجِزين عن رَفْضِه، وأنَّه نما وترَعرَع على هامش المجتمعات العربيَّة دون أنْ يحسَّ به سوى أتْباعه ومُرِيديه وأصحاب المصالح الحيويَّة فيه، أمَّا رجُل الشارع فلا يَدرِي عنه شيئًا.

يقول محمد عزت حجازي أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: "لن نقفَ طويلاً عند الحقيقة المحزنة التي تتلخَّص في أنَّ جانبًا -يبدو لنا كبيرًا- من البحث والدراسة والكتابة في علم الاجتماع يُوجَّه إلى مستهلكين عاجزين عن رفضه، هم طلبة الجامعات والمعاهد العُليا"[14].

ويُضِيف (سالم ساري) أستاذ الاجتماع بجامعة الإمارات العربيَّة المتحدة: "ولكنَّ المتتبِّع لتاريخ علم الاجتماع في الوطن العربي يُلاحِظ بدائل شتَّى.

إنَّه نما على هامش المجتمعات العربية.

نما وترعرع نصفَ قرن من الزمان أو يزيد دون أنْ يرعاه أو يحسَّ به سوى أتْباعه ومُرِيديه وذوي المصالح الحيويَّة فيه"[15] أ.هـ.

ويقول (ساري) في موقع آخر: "وأودُّ أن أضيف تحدِّيًا يتمثَّل في الهوَّة التي تفصل بين علماء الاجتماع وأفراد المجتمع العاديين وكذلك القضايا الاجتماعية المعاصرة"[16].

ثانيًا: الاعتراف بأنَّ علم الاجتماع نشَأ وتطوَّر وما زال هزيلاً، غير قادر على توفير نظريَّة خصبة ومناهج تَقُود إلى نتائج صلبة الأساس، وأنَّه كان -وما زال- مغتربًا عن الواقع الاجتماعي، وأنَّ المتخصِّصين لم يُسهِموا إلا في صِياغة مُشكلات المجتمع العربي وتفسيرها وليس في اقتراح الحلول لها.

يَصُوغ محمد عزت حجازي هذا الاعتراف بقوله: "إنَّ نظرة تحليليَّة نقديَّة لواقع العلم تنتهي بنا إلى أنَّه يمرُّ بأزمةٍ؛ فقد نشَأ وتطوَّر وما زال هزيلاً لا يُوفِّر مقولات نظريَّة خصبة قادرة على الإيحاء بأفكارٍ تُعِين على النَّماء والتجدُّد ومناهج يمكن أنْ تقود إلى نتائج صلبة الأساس نافذة الدلالة، وكان مُنعَزلاً أو مُغترِبًا عن الواقع الاجتماعي الحي"[17].

أمَّا سعد الدين إبراهيم فقد عبَّرَ عن ذلك في موضعين قال في أولهما: "وبالنسبة للوطن العربي فمنذ الحرب العالميَّة الأولى واستقلال البلاد العربيَّة لم تظهر مساهمة علمية نظرية يعتدُّ بها الوطن العربي".

وقال في الموضع الآخَر: "إنَّ المتخصِّصين لم يساهموا بالقدر الكافي أو بالدرجة المطلوبة في صِياغة مشكلات المجتمع العربي المعاصر وتفسيرها أو في اقتراح الحلول المطلوبة لهذه المشكلات"[18].



يتبع


المصدر...


الساعة الآن 05:22 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM