شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   في الرشوة ومضارها وعقوباتها (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=242129)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-22-2016 05:08 PM

في الرشوة ومضارها وعقوباتها
 
في الرشوة ومضارها وعقوباتها


الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل







الحمدُ لله نحمَدُه، ونستعِينُه ونستَهدِيه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، حذَّر من أكْل المال بالباطل، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، نهى عن الرشوة وحذَّر من عُقوباتها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته، الممتثلين لأوامره، والمنتهين عن نواهيه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.



أمَّا بعدُ: فيا عِباد الله:

اتَّقوا الله - تعالى - واعلَموا أنَّ ممَّا يقضي على الأمم ويُقوِّض عزَّها، فشوُّ الرشوة بين أفرادها، وتعاطيهم لها، فإنَّه بذلك تذهَب الحقوق إلى غير أصحابها، ويقلُّ العدل ويظهر الظلم والجور، فإنَّ مَن له حقٌّ لا يستطيع أخْذه إلا بأنْ يدفع جزءًا من ماله، فهذا ظلمٌ من آخِذ الجزء، ومَن يريد أخذ ما ليس له، ويستعين في ذلك بدفع مال لمن له قُدرة في إيصاله إليه - ظلمٌ وأكلٌ للمال بالباطل، وتعاوُن على الإثم والعدوان، ومَن يستحقُّ وظيفةً من وظائف بمُؤهِّله العلمي، وخبرته العملية، وحُسن سلوكه وأخلاقه، ونشاطه في العمل، فيأتي مَن عُدِم هذه المزايا لِمَن لديه تصريف أمر تلك الوظيفة، فيدفع له مالاً، ولو بصفة هدية، أو بطريق غير مباشر، فيصرف له تلك الوظيفة، ويُعينه عليها مع فقده لمزاياها ومتطلباتها، ويحرم منها مستحقَّها بمؤهِّلاته وقُدراته وحسن أخلاقه، فإنَّ ذلك ظلمٌ وجور، وأكلٌ للمال بالباطل، وتعاون على الإثم والعدوان، وقضاءٌ على الفضائل، وقتلٌ للتنافس والجد في طلب المعالي بالجهود والمثابرة؛ فإنَّ مَن لديه همة عالية في نيل أمر من الأمور، ويَجدُّ ويجتهد لينال مقصوده، وعندما يتأهَّل لذلك الأمر يرى غيره من البطالين ومنحرفي السلوك والأخلاق يُقدَّم عليه؛ إمَّا بمال يُدفَع لمن بيده أمر ذلك المطلوب، أو بواسطة لها تقديرٌ عند مَن بيده ذلك الأمر، فإنَّ مثل هذا التصرُّف يفتُّ في عضد المثابر والمجد، وربَّما حمَلَه هذا الخلق إلى اللجوء إلى ما يعمله غيره من التحيُّل على نيل المراد بالوسائل المحرَّمة، وكالرشوة الصريحة، والهدية المقصود بها الحصول على المطلوب، وبهذا التصرُّف والتحيُّل والخداع تموتُ العزَّة والكرامة، والجدُّ والاجتهاد، ويحلُّ محلها الدَّناءة، وفساد الأخلاق والانحِطاط، والضعف والكسل، وسُقوط الهمة وقلَّة التنافُس، فكم من صاحب حقٍّ لا ينال حقَّه إلا بدفع جزءٍ من ماله! وكم من صاحب حاجةٍ متقدِّم على غيره ممَّن هو بعده في الوقت والترتيب؛ إمَّا لمصلحة أو قرابة أو واسطة، وكلُّ ذلك ظلمٌ وجور، وأكلٌ للمال بالباطل، وتعاونٌ على الإثم والعدوان، ونشرٌ للرذيلة والفساد، وتشجيعٌ للمفسدين، وتعاونٌ على انحِطاط المجتمع، وفقْد الثقة به.




فاتَّقوا الله يا عِباد الله في أنفُسكم وفي مجتمعكم، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام، وتأدَّبوا بآداب سيِّد الأنام، واحذَرُوا من عُقوبات ما نَهاكم عنه وحذَّركم منه.




ففي الحديث عن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه: ((لعن الراشي والمرتشي))[1]؛ رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.




والرشوة من أخبث الأمور والوسائل لأكْل المال بالباطل، وأخْذ حقِّ الغير بالظُّلم، ومن علامات انحِطاط المجتمع الذي تُوجَد فيه، فيا مَن تخلَّق بشيءٍ منها، اتَّقِ الله في نفسك، وفي أمَّتك ومجتمعك، فإنَّه لا سعادةَ لك وله إلا بالتمسُّك بالفضائل، والبُعد عن الرذائل، والعدل في العمل.




فما أحوجنا إلى التناصُح، وإنكار المنكر الذي انتشر، ومنه الرشوة وعدم العدل لدى كثيرٍ ممَّن ولي أمرًا من المسلمين، فقدَّم غير مَن يستحقُّ على مَن يستحقُّ، وتجاهل أمر مَن يستحقُّ التقديم! فلا عزَّة ولا كرامة للأمَّة والمجتمع إلا بالعدل، وكم من شخص يولي عملاً من أعمل المسلمين يأخُذ عليه أجرًا فتضعُف نفسه، ويتطلَّع إلى التزوُّد من المال الباطل، وما لا حقَّ له فيه.




روي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلاً من بني أسد يُقال له: ابن اللُّتْبيَّة على صدقةٍ، فلمَّا قَدِمَ قال: هذا لكم، وهذا أُهدِي لي، فقام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فصعد المنبر، فحَمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال: ((ما بالُ العامل نبعَثُه فيأتي فيقول: هذا أُهدِي لي، فهلاَّ جلس في بيت أبيه وأمِّه فينظر أيُهدَى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إنْ كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعرُ))[2].




فاحذَرُوا يا عِباد الله، ويا مَن تلطَّختم برذيلة الرشوة وعدم العدل في أعمالكم، احذَرُوا عُقوبات تلك الأعمال.




قال الله العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].




وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].




بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.




أقول هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.




واعلَموا أنَّ الإسلام حفظ للفرد حقَّه، وللجماعة حقَّها، وأمر بالفضيلة، ونهى عن الرذيلة، وبيَّن ما يُصلح الأمَّة وما يضرُّ بها، فمَن حاد عن الصراط المستقيم، وخرج عن الطريق القويم، فقد شذَّ، ومآله إلى البوار، والخزي والعار.




وممَّا يخرج المرء عن الطريق القويم ما يفعَلُه البعض من تجرُّؤٍ على ارتكاب المحرمات، من أَكْلٍ للمال بالباطل؛ كالرشوة، والظُّلم في المعاملات، وعدم العدل بين الناس في أمورهم، وأعمالهم، ومصالحهم حتى أصبح كثيرٌ من الناس يأخُذ ما لا حقَّ له فيه؛ إمَّا بطريق الرشوة، أو الواسطة المسيئة على نفسها وعلى غيرها.




فاتَّقوا الله يا عِباد الله، واحذَرُوا عواقب ما خالَف تعاليم دِينكم.





[1] الترمذي: (1337).




[2] البخاري: (2597)ـ الفتح: 5/260 بنحوه.










المصدر...


الساعة الآن 02:06 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM