شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الفقه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=447)
-   -   فصل في اختلاف الصحابة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=232585)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-09-2016 07:05 AM

فصل في اختلاف الصحابة
 
اعلم أن أصحاب رسول الله أقل الأمة اختلافا لأجل العلم والبصيرة ، وأكثر الاختلاف إنما هو حادث بعدهم .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها . وذكر أنهم أمنة للأمة كما أن النجوم أمنة للسماء.
وقد كان عمر الباب يسد باب الخلاف، كما جاء عنه في الإكسال، وجمعهم على أربع تكبيرات في صلاة الجنازة ، وخرج يوما على ابن مسعود وأبي بن كعب وقد اختلفا في ما يجزئ الرجل في صلاته من اللباس، فقال: إنه ليسوؤني أن يختلف اثنان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الشيء الواحد. فعن أي فتياكما يصدر الناس؟ أما ابن مسعود فلم يأْلُ، والقول ما قال أبي اهـ رواه ابن أبي شيبة . وروى أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي قال: اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون للناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي. فكان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروى على عليّ الكذب . رواه البخاري. فهذه سبيل الجماعة، أن يرجع الناس بفتاواهم إلى ما كانوا عليه أيام الجماعة. والبركة مع أكابركم .
وعلم الله وكذا رسوله بما أعلمه ربه بما سيكون من أمرهم بعده ، فأمر باتباعهم ونهى عما يحدث بعدهم، وسكت عن اختلافهم، فمن اختار من أقوالهم ما رآه أشبه بأمر محمد صلى الله عليه وسلم فهو الموسع له، ويسعه ما وسعهم من الاختلاف، نحو هذا قال القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز ، ومن أحدث في الدين قولا لا يعرفونه فلا يسعه إلا أن يراجع السنة . أن يتبع ولا يبتدع .
وجملة ما جاء عنهم من اختلاف تارة تجده اختلافا في اللفظ، روى ابن نصر في السنة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان بن عيينة قال : ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك. وقال: أيكون شيء أظهر خلافا في الظاهر من (الخُنَّس) قال ابن مسعود: هي بقر الوحش. وقال علي: هي النجوم. قال سفيان: وكلاهما واحد، لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل والوحشية إذا رأت إنسيا خنست في الغيضان وغيرها إذا لم تر إنسيا ظهرت. قال سفيان: فكلٌّ خُنّس. قال إسحق: وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم في الماعون. يعني أن بعضهم قال: هو الزكاة، وقال بعضهم: عارية المتاع. قال وقال عكرمة: الماعون أعلاه الزكاة وعارية المتاع منه. قال إسحاق: وجهل قوم هذه المعاني فإذا لم توافق الكلمةُ الكلمةَ قالوا: هذا اختلاف. وقد قال الحسن وذكر عنه الاختلاف في نحو ما وصفنا فقال: إنما أُتي القوم من قبل العجمة اهـ ومن هذا ما ثبت عن أنس بن مالك في قول الله عز وجل (لا يمسه إلا المطهرون) قال: هم الملائكة. وصح عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا مع سلمان فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا ثم خرج إلينا و ليس بيننا و بينه ماء قال فقلنا له: يا أبا عبد الله لو توضأت فسألناك عن أشياء من القرآن فقال: سلوا فإني لست أمسه، إنما يمسه المطهرون ثم تلا (إنه لقرآن كريم) (لا يمسه إلا المطهرون) اهـ وليس هذا اختلافا ، لأنهما راجعان إلى معنى واحد ، أنا مأمورون أن نكرم القرآن كما هو كريم في السماء ، فلا يمسه إلا طاهر .
وتارة يكون قولا رجع عنه قائله ، فعن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود أن رجلا من بني شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فأعجبته فاستفتى ابنَ مسعود فأمره أن يفارقها ثم يتزوج أمها فتزوجها وولدت له أولادا. ثم أتى ابن مسعود المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه لا تحل له. فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام إنها لا تنبغي لك ففارقها. رواه عبد الرزاق وغيره . كما رجع عبد الله بن عباس عن فتياه في الصرف وعن قوله بمتعة النساء ، وكما رجع أبي بن كعب في ناس من الأنصار عن قولهم في الإكسال .
ومنه ما يكون من تغير الفتوى لاختلاف الزمان والحال، كقولهم في طلاق الثلاث، وقولهم في حد شارب الخمر. ومنه ما ثبت عند ابن أبي شيبة عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: لمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: لا، إلا النار، فلما ذهب قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: إني أحسبه رجلا مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا، قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك اهـ ومن هذا الباب اختلافهم في حد السفر. ومن هذا الباب ما اختُلف عن ابن عباس في القنوت، روى أهل البصرة عنه إثباته، وأهل مكة ينكرونه. وابن عباس قد مر بأطباق، كان بالمدينة أيام عمر وعثمان ، ثم نزل البصرة أميرا لعلي في أيام الفتنة ، فهنالك كان يقنت للنوازل ، ثم نزل المدينة أيام معاوية ، ثم نزل مكة زمان بني مروان ، ثم الطائف ومات به . وفي كل مصر من هذه الأمصار كان له أصحاب نقلوا عنه .. فلتكن على ذكر من هذا .
ومنه ما يعد اختلافا لاختصار في بعض الروايات، كما روي عن طائفة منهم في مس الذكر أنه بمنزلة أنفك وأذنك ، وبعضهم كان يأمر بالوضوء منه . ومن أمر بالوضوء منه فلمن مسه من غير حجاب ، ومن رخص فيه فلمن مسه من فوق الثياب ، فعاد اختلافهم وفاقا ، بالنظر في مجموع الروايات . وقد كتبت ذلك كله في الطهور ، والحمد لله .
ومنه ما لا يصح عنه ما يذكر في الخلاف، مثل ما روي عن ابن عباس في المرتدة أنها تستحيى .
ومنه ما هو زيغة حكيم ينبغي أن تطوى ولا تؤثر ، قال معاذ بن جبل : وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم. ثم قال : اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه؟! ولا يثنينك ذلك عنه. رواه أبوداود وغيره . من هذا ما قال سالم قيل لابن عمر: إن ابن عباس يرخص في متعة النساء. فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا. قالوا: بلى والله إنه ليقوله. قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا، وما أعلمه إلا السفاح. صحيح رواه عبد الرزاق وغيره. وفي لفظ قيل له: إن ابن عباس يفتي بها, فقال: فهلا تزمزم بها في زمان عمر. رواه ابن أبي شيبة . وقد ثبت رجوعه عنه .
فإذا عرفت هذا لم يبق من اختلافهم الذي يصلح أن يذكر في الخلاف إلا أقل مما يحسب عليهم . والله أعلم .


المصدر...


الساعة الآن 03:56 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM