شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   سورة (ق) (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=231436)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-08-2016 08:55 AM

سورة (ق)
 
سورة (ق)


د. خالد بن عبدالله بن عبدالعزيز القاسم






الحمد لله، نحمده سبحانه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالها، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل من صلى وزكى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

أما بعد، عباد الله:

نحن اليوم مع سورة عظيمة من كتاب الله تعالى، مع القرآن المجيد، فما وعظ الواعظون بمثله، ولا أصاب الحاكمون بدونه، ولا استدل العالمون إلا بنوره، وكان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يَعِظ ويُذكِّر بها ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [سورة ق: 45]، ونحن اليوم مع سورة شريفة، وهي سورة (ق)، وقد جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على المنبر إذا خطب الناس؛ أي: يُذكِّر بها لما فيها من المواعظ والعبر، وهي سورة ذات دلالات عظيمة، وآيات عميقة، تخاطب العقول والوجدان، وتطيب أمراض الشكوك، لا بالجدل العقيم، ولكن بالطريقة القرآنية الفريدة.

قال ابن كثير رحمه الله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها على المنابر في الجمع والأعياد والمجامع الكبار لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث، والنشور، والمعاد، والقيامة، والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، فلنتفيَّأ ظلال هذه السورة إحياءً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والتماساً للهداية ووعظاً للقلوب.


يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [سورة ق: 1].


يقسم المولى سبحانه وتعالى، بـ(ق) وهو أحد الحروف العربية، وقد بُدِئَت عشرات السور بالحروف المقطعة، والله أعلم بمعناها، قال بعض أهل العلم: إنه بدأ بها للإعجاز؛ أي: يا أيها العرب العظماء ! هذا القرآن من هذه الأحرف التي تعرفونها، وقد جاء به هذا النبي الأمي مع عجزكم عن الإتيان بمثله أو سورة من مثله؛ لأنه ليس من بشر، وإنما من الله تعالى.


لذا تلحظ أنه يأتي بعد تلك الحروف ذكر للقرآن الكريم: ﴿ ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 1-2]، ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدخان: 2]، والقرآن المجيد: أي عظيم القدر.


﴿ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ق: 2].


وهذه إحدى القضايا الثلاث الكبرى التي كذب بها المشركون وهي الرسالة والقرآن وإنكار نبوته صلى الله عليه وسلم، والثانية التوحيد والقضية الثالثة البعث والنشور.


﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ [سورة ق: 3]، فردَّ عليهم المولى سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [ق: 4] فلا يغيب عنه شيءٌ في علمه؛ بل هو حاضر مكتوب.


وحاصل الأمر: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ [ق: 5] كذَّبوا بالحق المستند بالأدلة والبراهين، كذَّبوا به من دون أي مستند أو برهان، بل هم في اختلاف وشك، واختلاط وريبة.


ثم يلفت المولى سبحانه النظر إلى آياته العظيمة في الكون الدالة على البعث: ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق: 6 - 8] فأين المتبصرون المنيبون.

﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9 - 11] آياتٌ عظيمة، ومشاهد جديرة بالتأمل، وهي تحتاج إلى خطبة خاصة، وأتى العلم ليكشف مزيداً من إعجازات القرآن العظيم.

إن أمر البعث والرسالة جاءت به كل الأنبياء، فما العجب ولهم سلف في التكذيب، وعليهم أن يتَّعِظوا بما حل بالمكذبين الأوائل ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ق: 12 - 15].

وهذا برهانٌ آخر، أليسوا مُقرِّين بخلق الله الأول فما يعجزه عن الإعادة ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 79]، أنشأها أول مرة على غير مثال ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [الروم: 27]؛ أي: إنما لنضرب لكم المثال بما تعرفون فالإعادة أهون، وأما المولى سبحانه وتعالى فالكل هيِّن: ﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [لقمان: 28]، وإحياء الأرض بعد موتها شاهدٌ حيٌّ يُعتَبَر به، كما قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحج: 5 - 6].

ثم تنتقل الآيات إلى طريق في البرهان آخر، ومشهد مألوف وموعظة بليغة، ولكن كثيراً ما تغفل عنه النفوس، إنها لحظة فناء الدنيا، لحظة الموت وسكرته، مع الرقابة الإلهية والإحاطة الربانية: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 16 - 19] وبعد الموت وشدته الذي لا مفر منها وهو مشاهد معروف يأتي هول المحشر، وكربة الموقف، ورهبة الحساب، واختصام الخصماء أمام الحكم العدل.

﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 20 - 21] سائق يسوقها إلى المحشر وهو ملك موكل وشهيد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: شهيداً من أنفسهم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 20] جاء الشهداء ونشرت السجلات والإنسان في غفلة عن هذا اليوم العظيم ﴿ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 22] أي: أبصرت بكل وضوح ما كنت غافلاً عنه معرضاً إلى غيره.

ثم تأتي الآياتُ الكريمة في مشهد عظيم في هذا اليوم من حيث يتلاوم الخاسرون، ويندم النادمون، ويحتاج المحتاجون ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ [ق: 23-26].

وقضية التوحيد هي القضية الثالثة التي يُنكِرُها المشركون ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [سورة ص: 5]، ولكن المُحاجَّة لم تنتهِ: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾[ق: 27] ثم يتحدث المولى سبحانه وتعالى ليقطع كل عوى بالحق الذي لا ريب فيه ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 28-34] جمع بين الترغيب والترهيب، أين الذين يخشون الرحمن بالغيب فلهم البشرى بجنات عظيمة وخلود دائم وسلام من كل شر.

نسأل الله الكريم من فضله، أقول ما تسمعون وأسأل المولى لي ولكم حسن الختام، والأمن يوم النشور، والخلود في جنات وعيون، وأصلي وأسلم على النبي الكريم.




الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله إلى يوم الدين.

عباد الله:

تمضي هذه السورة العظيمة وفي ختامها وفي عطف بياني عجيب وفي خاتمة بليغة وفي اختصار لما سبق وتصريف للآيات والعبر، وتسلية للنبي الكريم وهو يجابه أصناف المشركين المكذبين، والنقلة إلى آيات أخرى جديرة بالتأمل أنه عذاب الله، الآيات الكونية المسخَّرة للإنسان قد تتحوَّل بأمر الباري إلى عذاب، والماء إلى محرق لمن كذب الرسل مهما كان قوة المكذبين وبأسهم وحيلتهم، وما حلَّ في بعض الدول قريباً من زلازل وفيضانات لعِبرَة.

﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 36 - 37] إن هذه السورة وهذا الآيات وأمثالها لعبرة عظيمة وموعظة بليغة، ولكن من ينتفع بها، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من غير غفلة أو إعراض.

ثم يلتفتُ السياقُ على صِنفٍ آخر من المكذبين، وهم كفرة أهل الكتاب الذين شاركوا هؤلاء المكذبين شاركوهم في نسبة التعب إلى الله سبحانه؛ بل في كتابهم إلى اليوم في أول صفحة من توراة اليهود المحرَّفة، ويؤمن بها عموم النصارى في بدء الخلق في ستة أيام جاء هذا النص: (واستراح الله في اليوم السابع)، فقال المولى سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ [ق: 38]. هل يليق بالرب العظيم أن يمسه تعب أو عجز؟!

ثم يلتفت الخطاب التفاتة بليغة إلى نبيه عليه الصلاة والسلام وخليله وأمينه على وحيه وهو يواجه أصناف المكذبين بنص قرآني بديع رغم هذه الأدلة والبراهين وهذه الحقيقة الناصعة، وهذا التكذيب والاستهزاء إلا أنه يأمره بالصبر والدعاء والتسبيح أناء الليل وأطراف النهار ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 39 - 40] قيل: هي الصلوات الخمس والتسبيح بعدها وهي ما عداها من النوافل والأذكار، وهو درس لكل مؤمن.

عباد الله:

للصبر والصلاة والذكر واللجوء إلى الله دور عجيب في ثبات القلب وطمأنينته ﴿ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

ثم تختتم هذه السورة العظيمة بمشهدٍ عظيم من مشاهد البعث والخطاب متجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم معرضاً عن أولئك المكذبين ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ [ق: 41]، وهو النفخة الثانية ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق: 42 - 44].

ثم يخاطب المولى سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في تسلية عجيبة مبينة دور رسالته وأن عليه البلاغ والأمر إلى المولى سبحانه: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ [ق: 45]، فربك ومولاك لا يخفى عليه استهزاؤهم وتكذيبهم وسخريتهم.

﴿ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45] وهذه ثالثة التفاتة إلى أهمية القرآن في الذكرى، ولعلها من أسباب تذكير النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة، فليس مهمته صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ، وليس عليه قسرهم على الإيمان أو جبرهم عليه، ومن بعده ودونه من باب أولى.

أقول ما تسمعون سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن ينفعنا بالقرآن العظيم، ثم أُصلِّي وأُسلِّم على النبي الكريم.







المصدر...


الساعة الآن 04:16 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM