أندلسيات: المولد النبوى
 

أندلسيات: المولد النبوى
اليوم الأربعاء يوافق ذكرى مولد النبى (صلى الله عليه وسلم). هكذا يقولون، دون أن يكون ذلك مؤكدا. الشئ المؤكد هو أنه -صلى الله عليه وسلم- ولد يوم اثنين وفى عام الفيل. على هذه الصفحات الزرقاء تجد هذه الأيام آراء من كل لون، فهذا سلفى وهابى يرى أن الاحتفال بالمولد بدعة منكرة، وهذا أزهرى يكاد يجعل الاحتفال واجبا مقدسا. لم يسأل أحد نفسه عن بداية هذا الاحتفال، وسمعنا كلاما مبهما لا يؤدى إلى شئ. الغريب أن من شغل نفسه بالموضوع مستعرب إسبانى هو فيرناندو دى لا غرانخا. (كان أستاذنا محمود على مكى، رحمه الله، يعرف قدر ذلك الرجل، وحدّثنى عنه فى مناسبات مختلفة). توصّل ذلك المستعرب إلى أن أبا العباس العزفى (المتوفى عام 1236 ميلادية / 633 هجرية) هو الذى أسّس للاحتفال، بكتابه "الدرّ المنظّم فى مولد النبى المعظّم". (إن شئنا الدقة فقد توفى أبو العباس قبل أن يتم كتابه، فأكمله ابنه أبو القاسم). شيوخنا فى الأزهر يتجاهلون أن مؤلف الكتاب نفسه كان يعلم أن الاحتفال بالمولد بدعة، وأنه -عندما وضع كتابه- كان يختار أخف الضررين. كان أهل الأندلس قد انصرفوا إلى الكنائس يحتفلون فيها بعيد ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام، وبعيد العنصرة (وهوم ميلاد سيدنا يحى عليه السلام). المشكلة ليست فى الاحتفال بمولد النبىين عيسى ويحيى، بل فى أمور كانت تصاحب الاحتفال: اختلاط بالنساء، وشرب الخمر والطرب.
هناك نسخ من كتاب العزفى فى الاسكوريال ولندن واسطمبول (أين مكتباتنا العربية من تراثنا؟) وقد اعتمد لاغرانخا على النسخ الثلاث لكى يعدّ دراسته عن المولد النبوى. لدينا إذن وثيقة عن أول دعوة صريحة للاحتفال بالمولد النبوى (قبل عام 1236 م.)، وإن كان المستعرب يؤكد وجود أدلة على أن أهل غرناطة احتفلوا بالمولد قبل ذلك بكثير. منذ ذلك الحين امتنع مسلمو الأندلس عن الاحتفال بمولد النبيين عيسى ويحيى بن زكريا، وتحولت أهازيج أعياد الميلاد إلى مدائح نبوية.
ما يهمنى الآن هو أن المؤلف نفسه لا ينكر كون الاحتفال بالمولد بدعة، ويؤكد المرة تلو المرة أن ما دفعه إلى الدعوة للاحتفال به هى رغبته فى تجنّب وقوع ضرر أكبر. المطالع لكتاب العزفى يدرك –من ناحية أخرى- الأثر المسيحى فى إسلام أهل الأندلس، وهو حديث أعرف أنه قد يجلب المتاعب، لكننى أنوى الكتابة عنه إن كان فى العمر بقية.

المصدر...