شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الفقه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=447)
-   -   (06)قاعدة في سبب الجريمة- الفصل الثاني: أساب الجريمة في الكتاب والسنة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=210599)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 10-07-2015 04:29 PM

(06)قاعدة في سبب الجريمة- الفصل الثاني: أساب الجريمة في الكتاب والسنة
 

وفيه تمهيد وثلاثة مباحث:

المبحث الأول: خالق النفس أعلم بها من غيره.

المبحث الثاني: الإيمان هو الواقي من الجرائم.

المبحث الثالث: فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام.

تمهيد

كثر إطلاق الألفاظ المأخوذة من هذه المادة "جَرَم". في القرآن الكريم على معصية الكفر، وغلب استعمالها في الكسب المكروه. [راجع القاموس المحيط والمفردات للراغب الأصفهاني، والجريمة لأبي زهرة (1/34) وراجع بعض الآيات في المبحث الثالث من هذا الفصل.]

وتعنى الجريمة في دين الله - وكذلك الجناية - ارتكاب أي فعل نهى الله عنه نهى تحريم، و ترك فعل أمر الله به أمر إيجاب، فهما مرادفتان للمعصية والخطيئة، وكل معصية لها عند الله جزاء. إما في الدنيا وإما في الآخرة.. ما لم يتب العاصي إلى ربه قبل موته، أو يغفر الله لصاحبها.

فإن تَاب تاب الله عليه وسلم من الجزاء الأخروي، وقد يغفر الله له ولو لم يتب ما لم تكن المعصية شركاً، فإن الله لا يغفر الشرك بدون توبة منه.

والمقصود بالجريمة هنا المعصية ذات الجزاء الدنيوي الذي قرره الله  على مرتكبها. وقد عرفها علماء الفقه بقولهم: "الجرائم محظورات شرعيه زجر الله عنها بحد، أو تعزير".[ الأحكام السلطانية للماوردي ص: 221.]

قوله: " بحد" هو خاص بالمعاصي التي حدد الشارع عقوباتها، وتشمل: الردة، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا والقذف به، والحرابة..

فإن عقوبة المرتد القتل، وعقوبة الشارب الجلد، وعقوبة السارق قطع اليد، وعقوبة الزاني الجلد للحر أو الرجم، وعقوبة القاذف الجلد، وعقوبة المحارب القتل أو الصلب أو قطع يديه ورجليه من خلاف أو نفيه.

وقوله: "أو تعزير" يعني المعاصي التي لم يبين لها الشارع عقوبة محددة، وتشمل كل معصية لله تعالى أو لرسوله، أو مخالفة ما قرره ولاة أمر المسلمين مما فيه مصلحة للأمة مرسلة، ولا مخالفة فيه لنص من نصوص الكتاب والسنة أو قاعدة من قواعد الشريعة. وبهذا يعلم أن العقوبات في الإسلام تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: منصوص عليه محدد بالكتاب والسنة، وهو عقوبات الجرائم الست الماضية، فليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص؛ لأن الله قد تولى ذلك بنفسه.

والقسم الثاني: غير منصوص على مقدار معين فيه من العقوبة، وإنما ترك لولي الأمر أن يجتهد فيه حسب المصلحة كما مضى. هذه الأمور كلها مفصلة في كتب الفقه القديمة والحديثة.[راجع على سبيل المثال: المغني لابن قدامة (9/34) وكذا (9/6) والتشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة (1/118ـ128) والجريمة لأبي زهرة (1/24).]

ويدخل فيما حدد الشارع عقوبته الاعتداء على الأنفس بالقتل أو الجرح أو قطع الأعضاء، فقد حدد الشارع في ذلك القصاص أو الدية..

إلا أن الفرق بين العقوبات في الحدود الستة المذكورة آنفاً وهذا الباب، هو عدم جواز إسقاط العقوبة في الحدود الستة بعد وصولها إلى ولي الأمر، وجواز إسقاطها في القصاص والديات من قبل مستحق ذلك.

والمقصود هنا بيان من له الحق في الحكم على فعلٍ مَّا.. بأنه جريمة أو غير جريمة؟ إن الناس متفقون في الجملة على أن الأفعال التي يجب فيها الجزاء، هي التي تقتضي المصلحة اجتنابها، لما فيها من المفاسد العائدة على المجتمع..

ولكن من الذي يحدد المصلحة التي تجب حمايتها، والمفسدة التي يجب درؤها؟
والجواب على ذلك أن يقال: إن المقام لا يخلو من أحد أمرين:

الأمر الأول: أن الجهة التي تحدد المصالح وطرق حمايتها والمفاسد، هم البشر.

الأمر الثاني: أن الذي يحدد المصلحة وطرق حمايتها، أو المفسدة وطرق درئها، هو خالق البشر.

فهل يمكن للبشر أن يحددوا المصلحة العامة للجميع وطرق حمايتها، والمفسدة الضارة للجميع وسبل درئها، ويكون تحديدهم لذلك واقعاً موقعه من العلم التام بالمصالح والمفاسد، وسبل الحفاظ على الأولى، وطرق الوقاية من الثانية، ومن العدل الذي يساوي بين الناس في التحريم والتحليل والعقاب، والتجرد عن الهوى الذي يحلل صاحبه ويحرم تبعاً له؟

إن الواقع يشهد بأن البشر لا قدرة لهم على تحديد المصالح والمفاسد من عند أنفسهم - أعنى المصالح العامة - التي يعود نفعها على الناس كلهم، والمفاسد العامة كذلك التي يعود ضررها على الناس كلهم..

وقد يقدرون على تحديد بعض المصالح والمفاسد التي للعقول في معرفتها مجال، أو بسبب التجارب التي تتراكم في مسيرة حياة البشر، فيعرفون بها ما فيه مصلحة وما فيه مفسدة...

ولكن تلك القدرة تظل محدودة، لا يمكن أن تصل إلى ما يعلمه الخالق سبحانه، وذلك بسبب جهلهم بغير وقتهم الذي عرفوا فيه المصلحة والمفسد، إذ قد يأتي زمان تنقلب فيه المصلحة مفسدة والمفسدة مصلحة في العقول التي قد تختلف أيضا في المصلحةوالمغسدة، وبسبب بيئتهم وظروف حياتهم التي عرفوا فيها المصلحة والمفسدة، فقد تكون المصلحة في غير بيئتهم مفسدة، والمفسدة مصلحة.

وبسبب الظلم الذي لا يخلو منه إنسان لا يضبطه الإيمان الصادق، فقد يعلم الإنسان أن في هذا الأمر مصلحة أو مفسدة، ولكنه يفقد العدل فيجعل المصلحة مفسدة والمفسدة مصلحة، ويعامل الناس على أساس ذلك، بسبب ظلمه. وبسبب الهوى الذي قلما تجد أحداً سالماً منه إلا من عصمه الله، فيجعل المصلحة مفسدة، والمفسدة مصلحة تبعاً لهواه.

والذي يتأمل أحوال العالم في تاريخه الطويل، يتبين له هذا الأمر من تصرفات الحكومات والأحزاب والجماعات والأفراد الذين لم يتقيدوا بشرع الله تعالى، حيث تجد ما تزعمه طائفة مصالح أو مفاسد وتضع له التشريعات والقوانين، وتعامل غيرها بناء على ذلك، تجد ما زعمته تلك الطائفة مصالح، هو مفاسد على غيرها، وما زعمته مفاسد عليها، هو مصالح لغيرها..

وكذلك يضع البشر الذين لا يلتزم بمنهاج الله، قوانين عقوبات على جرائم معينة، يظنون أنها مناسبة لها، في عظمها وصغرها، وأنها كافية لقطع دابر مرتكبيها، فيتبين أنها غير مناسبة، إذ قد تكون العقوبة أقل مما تقتضيه الجريمة أو أكثر مما تقتضيه، وقد يجدونها غير رادعة للمجرمين عندهم..

أما الخالق سبحانه، فهو الذي أحاط علمه بكل شيء أزلاً وأبداً، فهو الذي يعلم علماً تاماً ما فيه مصلحة ووسائل حفظه، وما فيه مفسدة ووسائل درئه..

كما أنه تعالى هو المبرأ من الظلم مطلقاً، المتصف بالعدل المطلق الذي لا يحابي معه أحداً، ومن الهوى الذي لا يثبت صاحبه على حال.. فهو سبحانه الذي يحدد المصلحة والمفسدة، والعقاب الرادع لمن أراد ارتكاب المفاسد أو المساس بالمصالح.

ويترتب على ذلك ثبات أحكام الله واستمرارها، ولو تغيرت المجتمعات والحكام وتبدلت الأنظمة؛ لأن أحكام الله صالحة لكل زمان ومكان ولجميع البشر، كما يترتب على ذلك احترام الناس لها؛ لأنها لم يضعها فرد أو حزب أو حاكم لمصلحة خاصة به يُضَرُّ بها الآخرون.. وإنما وضعها الله  لمصلحة الناس كلهم، لا فرق بين حاكم ومحكوم وأمير ومأمور وغنى وفقير.

ويترتب على ذلك حفظ المصالح الحقيقية التي أساسها الدين والأخلاق الفاضلة المنبثقة عنه، بحيث لا توجد مصلحة إلا أقرتها وشرعتها وشرعت ما يحميها، ولا مفسدة إلا حرمتها وشرعت ما يدرأ خطرها، إما بالنص وإما بالاجتهاد والاستنباط.

وبذلك تكثر الأفعال التي تنص الشريعة على تحريمها، ويقل ارتكابها في المجتمع الذي يطبق الإسلام، وترتفع القيم الروحية فيه.

وتترتب على ذلك المساواة بين الناس في التحريم والعقاب، فلا يخاف أحد أن يحرم عليه ما أحل لغيره، أو يعاقب على فعل ينجو منه سواه، أو يشدد عليه العقاب ويخفف على غيره، اتباعاً للهوى وإمعاناً في الظلم.

وعلى خلاف هذا كله تكون القوانين البشرية، فقد تحرم أفعالاً لا مفسدة في تعاطيها في واقع الأمر، بل المصلحة في تعاطيها والمفسدة في تركها..

وهو ما فعلته الحكومات الملحدة التي حظرت على الناس التدين، ومنعت المسلمين من رعاياها من قراءة القرآن وإظهار شعائر الدين، وعلى رأس تلك الدول الاتحاد السوفييتي المنهار، ومن سلك نهجه من أبناء المسلمين.

كما أن أحكام القانون غير ثابتة، إذ قد يحل هذا أمراً ويحرم آخر، فإذا ذهب وخلفه آخر أحل ما حرمه الأول، وحرم ما أحله، وهكذا الهيئات والمنظمات.

ويفقد الناس في ظل القوانين البشرية المساواة والعدالة.. إما بصريح القانون وإما بالتحايل عليه في التحريم والعقاب وغيرهما. [راجع التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة (1/310ـ315).]

وقد قال بعض علماء الإجرام منتقداً القانون ومبيناً قصوره: "إن الدولة التي تضع القوانين لا تمثل من الزاوية الطبيعية سوى وضع نسبي، والقواعد الجزائية نسبية أيضاً، تتبدل بتبدل عناصر الزمان والمكان، كالبيئة والنظام السياسي، والمفاهيم الأخلاقية والدينية.[أقول: هذا عندما تكون المفاهيم الدينية مبنية على دين وثني أو سماوي محرف، أما عندما يكون الدين هو الإسلام المحفوظ الخاتم العالمي فإن من خصائص تشريعاته الثبات مثل الدين الذي شرعها الله فيه.]

فقد يُشَكِّل أحدُ الأفعال جريمة في بلد ما، ويكون مباحاً في بلد آخر، وقد تدعو أفكار سياسية أو ظروف اقتصادية أو اجتماعية معينة، إلى تحريم أفعال كانت مباحة قبل ذلك.. وفى أعقاب أي انقلاب يوجد شخصان، يغدو أحدهما بطلاً، فيسمى وزيراً، أما الآخر الذي كان وزيراً فقد يحكم عليه بالإعدام.[علم الإجرام وعلم العقاب للدكتور عبود السراج ص: 371، وراجع ص: 43ـ45 من نفس الكتاب]

وبهذا يعلم أن الذي له حق التحريم والحكم على فعل ما بأنه.جريمة، وحق العقاب وتحديده على كل الجرائم هو الله .. وأن البشر لا يحق لهم أن يحللوا أو يحرموا، إلا في الحدود التي وضعها الله في قسم المباح مما فيه مصلحة عامة للمجتمع.[راجع هذا المعنى في مجموع فتاوى ابن تيمية (28/364).]


المصدر...


الساعة الآن 05:59 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM