شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   العلوم و التكنولوجيا --- كل جديد ---- في كل المجالات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=313)
-   -   التلوث الغذائي والأمراض الناجمة عنه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=204303)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 09-28-2015 09:51 AM

التلوث الغذائي والأمراض الناجمة عنه
 
التلوث الغذائي والأمراض الناجمة عنه (1)
د. غنية عبدالرحمن النحلاوي



(الحلقة الأولى)




مقدمة


يجد المتأمِّل في إبداع البارِئ الذي فطَرنا وصوَّرنا في الأرحام كيف يَشاء - أنَّه سبحانه خلَق جسمَنا ليتناسَب مع البِيئة المحيطةِ بنا والمسخَّرة لنا.



وإنَّ الاستثناءات عن حالة الصِّحَّة والسَّلامة التي تظهر كأمراضٍ أو حوادث أو تشوُّهات - ترجع لأسبابٍ تَطرأ من داخل الجِسم وخارجِه بين حينٍ وآخر؛ ومن أهمِّها عَبثنا بتِلك البيئة عمدًا أو جهلاً؛ بما فيها الغذاء والدَّواء...، وهي كالكشَّاف الذي يُظهِر لنا بجلاء عظَمة الخالِق وإعجاز الخَلق في أنفسنا، وأهميَّة التوازن الحيوي وضَرورة الحفاظ عليه، سبحان الله!



وكنَّا أشرنا في حديثنا عن "أخطاء المداواة" إلى "التلوُّث الدوائي"؛ فماذا عن التلوُّث الغذائي، وهو الأكثر شيوعًا وانتشارًا؟! مع ما يَحمله من أمراض قد تَأخذ شكلَ "فاشيات"[1]؛ مثل التسمُّم الغذائي، والتِهاب الكَبد الوبائي، والحمَّى التيفية (التيفوئيد)، والإنتانات المعويَّة...، وكافَّة الأمراض المرتبِطة بالغذاء الملوَّث!



"الأمراض المتولدة عن الغذاء: foodborne diseases "

تتزايَد مع تبدُّل الحرارة بين الفصول (الربيع والخريف) إصابات مفاجِئة ومزعِجة، ساحَتُها جهاز الهَضم، ولكنَّها قد تؤثِّر على جميع أَجهزة الجسم، وتنتشر إن تزامنَت مع وجود كثافة بشريَّة؛ كالحجِّ، والعمرةِ في رمضان، أو مع المناسبات الموسميَّة كالأعياد....



وربَّما أخذَت شكلاً جائحيًّا في أماكن التجمعات:

الطَّارئة منها؛ كالمخيَّمات، ومناطق الإيواء خلال الكوارث مثلاً.



أو التجمُّعات المعتادة؛ كالمدارس، ودور رعاية الرضَّع والمسنِّين...



وأَشيَعها: حالات تسيطِر فيها إقياءات شديدة مع أو بدون إسهالٍ مائيٍّ، وتستمرُّ بضعة أيام يعانِي خلالَها المصابُ من تعبٍ وإزعاج ووَهن، طوال فترة المرض...



ولهذه الحالات تَسميات عديدة، وكلُّها تقع تحت العنوان العِلمي الشامل: "الأمراض المتولدة عن الغذاء: foodborne diseases"، ويشيع في الثَّقافة الطبِّيَّة العامَّة عنوان: "إِسهال المسافرين"! وهو أحد أَفراد المجموعة الطبيَّة الأوسع والأشمل، التي تسمى: "التسمُّم الغذائي"!



كيف أصبحَت سلامة الغذاء هاجسًا عالميًّا؟!

أرقام في حَجم المشكلة: تمَّ إحصاء وتحديد (31) عاملاً ممرِضًا رئيسًا على الأقل، تَنتقل بالغذاء، وتتسبَّب في آلاف الوفَيَات سنويًّا في العالَم المتقدِّمِ صحِّيًّا! وبِضعة ملايين وَفاة في العالَم أجمع!



ولقد ورد على سبيل المثال عن الـ (س د س) - مركز السَّيطرة على الأمراض في أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية[2] - في أواخر عام (2013) أنَّه في كلِّ عام تُـحدِث "الأمراضُ المتولدة عن الغِذاء" إصابةً مرضيَّة عند واحدٍ من كل ستَّة أمريكيين، وهذا يعادل 48 مليون شخص سنويًّا، يحتاج (128) ألفًا منهم للرِّعاية في المستشفيات، ويقضي ثلاثة آلاف منهم نَحْبَه!



وعالميًّا؛ تتغيَّر الأرقام كلَّ بضعة أَعوام؛ فعلى سبيل المثال: من أصل(30 - 70) مليون إصابة تَحدث سنويًّا في العالَم الصِّناعي بسبب تلوُّث الأطعِمة والمشروبات، هنالك (325) ألف إنسانٍ مصاب يَحتاج للقبول في المشافِي، وخمسة آلاف حالَة وفاة.. والرَّقم الأخير مؤشِّر خَطِر؛ لأنَّه يتضاعَف مِئات الأضعاف في دول العالَم الأقل نماءً وتطوُّرًا؛ حيث تؤدي الإسهالات الناتِجة عن تلوُّث الأغذية والمياه سنويًّا إلى وفاة (3,8) مليون نسمة تقريبًا، أَغلبهم من الأطفال.



ذلك وغيرُه جعل قضيَّةَ سلامة الغذاء تُمثِّل واحدةً من الأولويَّات العشر الأكثر إلحاحًا لمنظَّمة الصحَّة العالميَّة...، كما أنَّها إحدى القضايا الهامَّة المحوريَّة التي تشغل بالَ العالَم أَجمع؛ كونها تمثِّل كُلفةً عالية لميزانيَّات الدُّول من خلال دراسات جادَّة منذ التسعينيَّات؛ حيث كان مِن أوائل الأرقام المتداولة عن كُلفة مكافحة مَشاكل التلوُّث الغِذائي في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة رقم (35 مليار دولار) أمريكي على شَكل نفقاتٍ طبِّيَّةٍ، وقدرات وكفاءات إنتاجيَّة مَفقودة ومُهدَرَة خلال عامٍ واحد (1997)!



أصل المشكلة: التلوث.

العوامل المسبِّبة:

يتلوَّث الطَّعام بعناصر مجهريَّة مُنتشرة في البيئة من حولنا كالجراثيم (البكتريا) والفيروسات، والطفيليَّات والفطور...، وهي تتكَاثر فيه عندما تَبدو الظُّروف ملائِمة لها، مثل: الحرارة والرُّطوبة، ونقص الحُموضة في المعدة (أي: ارتفاع مستوى عامل pH)... وغيرها، وحسب منظَّمة الصحة العالميَّة فإنَّ تضاعُف تِلك الحالات المرضيَّة في السنوات العشر الأخيرة يعبـِّر عن تزايُد وتكاثر الكائنات المجهريَّة الممرِضة في طَعامنا خِلسة، رغم عدم ظُهور الأعراض عند عَدد كبيرٍ من الناس، وأنَّ الأرقام المَذكورة هي رأس جبل الثلج[3].



ثمَّ إنَّها تمرِض بطريقتين:

هي تؤذي بذاتِها.

أو بالذيفانات (أي: السُّموم) التي تفرِزها خِلال تكاثرها في الوجبة الملوَّثة.



وتتميَّز السُّموم بأنَّها تستمرُّ بالإِمراض حتى لو قُتلَت الجراثيمُ التي أَفرزَتها، وبأنَّها سَريعة المفعول؛ حيث تَظهر أعراض الإصابة بها بعد سَاعات من تناول الغذاء الملوَّث وليس أيامًا: وسطيًّا (1 - 6) ساعات، وأشيعها ذيفانات الجراثيم المسمَّاة "العنقوديات المذهبة"، بينما أخطرها ذيفانات العصيات النقانقية التي تُوجد في الأطعمة المعلَّبة سيِّئة الحِفظ وقليلَة الحُموضة (لا سيما اللحوم)، وتِلك قد تكون قاتِلة!



وتُضيف المصادِر العلميَّة للأسباب: الملوِّثات والسُّموم الكيميائيَّة، الطبيعية منها؛ (كالموجودة في بعضِ الأسماك أو الفِطر السام)، أو الصناعيَّة كالمبيدات الحشريَّة أو أدوية النَّبات والحيوان، أو المواد الحافِظة المخالِفة لمواصفات هيئات الأمن الغِذائي...



وعمومًا فإنَّ فترة الكُمون أو الحَضانة بين تَناول طعامٍ ملوَّثٍ وظهور أول أعراض المرَض، تتراوَح من ساعاتٍ إلى أيامٍ (ونادرًا ما تكون أشهرًا، أو حتى سنواتٍ، ومثال على ذلك: الإصابة بِداء الليستريات)؛ وإذا ظهرَت الأعراض المرضيَّة خلال (1 - 6) ساعات بعد تناول الطَّعام الملوَّث، فالسَّبب غالبًا إمَّا ذيفان (سمٌّ) جرثومي (بكتيري)،أو مركَّب كيميائي؛ (كما في الفطور والمأكولات البحريَّة السامَّة)، في حين تدلُّ فَترة الحضانة الطويلة على التلوُّث بالكائن الممرض الحي ذاتِه؛ (فيروسات، وجراثيم، وطفيليَّات).



كيفية حدوث التلوث وانتشاره:

أمَّا متى يضرُّ تعرُّض الطَّعام لما ذُكر، فقد ثبتَ أنَّ الضَّرر قائم في جَميع مراحل إعداد الطعام؛ بدءًا من تلوُّث المصدَر الأول النَّباتي أو الحيواني، وانتهاءً بالوصول للمستهلِك، وحتى المُعَد منه منزليًّا قد يتلوَّث في أيِّ مرحلة من مراحل تَحضيره إذا أُسيء التعامُل معَه.



وقد توصَّل تَقرير المنظمة العالميَّة للصحَّة لعام 2003 م إلى أنَّ نحو 40% من حالات تفشِّي التسمُّم الغذائي، التي تمَّ التبليغ عنها في منطقة الدُّول الأوروبية التابعة للأمَم المتَّحدة - تقع في المنازل الخاصَّة لأصحابها! رغم أنَّ الوقاية التامَّة من كافَّة "الإصابات المنزليَّة" أمرٌ مؤكَّد التَّحقق نظريًّا حسب تَقرير المنظمة؛ ممَّا يدلُّ على انتشار الإهمال عمليًّا في منازلهم، لا سيما المطابخ!



وهو عكس الحَال عندنا حتى الآن على الأقل، فالمشكِلة في مَنطقتنا غالبًا من الطَّعام خارج المنازل، وإن كان نقص الرقابة داخِل المنزل قد بدأ يَشيع لأسبابٍ، منها: نَقص إشراف ربَّة المنزل - المنشغِلة جدًّا! - على من يحضرها، ونقصُ الثَّقافة العامَّة بهذه الشؤون، والزُّهد في هذه الثَّقافة عند الجيل الجديد.



ولقد رأيتُ بين الإفراط والتفريط:

أمَّهات شابَّات متردِّدات يسألنَني عن أبسط المعلومات رغم كثرة ما يعرفن.

وأخريات يَتركن الأمورَ تسير عشوائيًّا، وعندما يمرض الطفل فأسهل شيء الهَرَع للطَّبيب وحتى للمستشفى.

والفريقان جانَبَا الصَّواب!



ولكن أحيانًا لا يمكننا لَوم المتلقِّي مع الازدِحام الشديد في المنشورات الصحيَّة والطبِّيَّة غير الممنهَج وغير العِلمي غالبًا، والذي قد يُربِك ويعقد الأمورَ، ناهِيك عن الأخطاء الكَثيرة (عبر الميديا والنِّت)، والتي نكتشف نَحن الأطباء صدفةً بعضَها! وما لا يتبيَّن أكثر!



وهذه أهم مصادر التلوث مع أخطاء شائعة ونقاط عملية لتجنبها تفيد الأهل في الحالتين:

مياه الشرب: إنَّ تَأمين طَهارة المياه من أولويَّات المنظمات والدُّول، وتنصب الجهود العالميَّة على تأمين مياه شربٍ نظيفة، وتلوُّث الماء يحتاج لمقالٍ منفصل، وأُشير أنَّه على مستوى التجمُّعات الصغيرة والأفراد في الظُّروف الاستثنائيَّة يطبق تعقيم المياه بالأشعة فَوق البنفسجيَّة من الشمس، ولكنَّها عمليَّة معقَّدة، والأقرب تناولاً إضافة الكلور بمعدَّل ثلاث قطرات لكلِّ لتر ماء رائق، وستِّ نقط للتر الماء العَكِر، ويترك مكشوفًا لمدَّة ساعة قبل الشرب.



إنَّ انتقال العامِل المؤذِي من مادَّة أو سطح ملوَّثٍ لسطحٍ آخر غير ملوَّث هو أَشيَع مصادر وطُرق التلوُّث، ويَحدث بين الأطعمة النيئة وتِلك الجاهِزة للأكل؛ كالسَّلَطات والبيض واللُّحوم، والمثال الموصوف عادَةً تلوُّث قِشرة البيض أو اللحم بروث الحيوان الملامِس له، ثمَّ تناوله نيئًا أو ناقص الطَّهو...، والنَّمط الآخر تلوُّث الأدوات المستعمَلة في التحضير، وهي عادةً السكِّين ولوح التَّقطيع وفوطَة المطبخ... وغيرها.



نسيان المادة الغذائية في حرارة تناسب تكاثر الجراثيم:

قاعدة هامة: لا بدَّ من حِفظ الأطعمة القابِلة للفساد في الثلاَّجة بعد شرائها أو تحضِيرها مباشرة، والمدَّة القصوى بين الشراء والحفظ أو الطَّهو والأكل ينبغي ألاَّ تتجاوز السَّاعتين؛ ولكن إذا كانت حَرارة المنزل تعادِل أو تزيد عن (32.2 درجة مئويَّة) فيجب أن يتمَّ الحفظ خلال ساعة على الأكثر، وما نُسِي لفترات أَطول فيفضَّل إتلافُه حيث يحتمل حَمله لجراثِيم ممرِضة، أو لسمومٍ لا يمكن التخلُّص منها بالطَّهي.



أهمية العامل البشري:

(عمَّال أطعِمة مصابون أو حامِلون للعامِل الممرِض المسبب)؛ وهنا يبرز دَور الأيدي الملوَّثة عمومًا؛ في المنازل والمدارس والمخيَّمات، وبصورةٍ خاصَّةٍ في أماكن الصِّناعات الغذائيَّة أو محلاَّت الطعام الجاهز التي تتعامَل - مثلاً - مع اللُّحوم وأيضًا مع الفطائر وما شابه؛ حيث يحمِل العاملُ "البيض" بيده العارِية أو المغطَّاة بكفٍّ بلاستيكي، ثمَّ يحمل بعده الجبنة مباشرةً دون غَسل يده أو تغيير الكف!



تلوُّث الأوساط الحافظة والمضافات: يُعَدُّ الماء أو التراب الملوَّثان من النواقل الهامَّة للجراثيم والفيروسات الممرِضة، وكذلك الحَليب ومشتقَّاته؛ كالأجبان والقشدة (الكِريمة) غير المبسترة أو الملوَّثة بعد البسترة، والتي علاوة على تناولها منفردَة فهي تَدخل في صناعة الكَثير من الأطعمة والحلويَّات التي توزَّع على نطاقٍ واسِع؛ كما في الفنادق، والمعسكرات، والمدارس.



عدم إنضاج الطَّعام (الطبخ غير الكافي)، والعجَلَة سِمة العصر! ويُعَـرِّفُ علمُ سلامة الغذاء الطبخَ الجيد بأنَّه: رَفع حرارة الطَّعام لمدَّةٍ كافيةٍ ولدرجة حرارةٍ عاليةٍ بما يكفي لقَتل العوامل الممرِضة، وهذا بالنِّسبة للحوم والدَّجاج؛ يعني: ضرورة تجاوز حرارة الطهي 74 درجة مئوية، والتأكُّد بأنَّ الحرارة وصلَت إلى الأقسام الداخليَّة من الطَّعام؛ فاللَّحم المدخن وما شابهه خطر؛ لعدم طهارة الأجزاء الدَّاخلية منه من الجراثيم.



كذلك يجب طهي البيض حتى نَصل إلى بياض وصفار بقوام متماسِك، فالنِّيءُ جزئيًّا أو "البرشت" خَطر للغاية لهذا الاعتبار، سواء بعينه (في تَغذية الرضع)، أو الأطعمة الدَّاخل في تركيبها؛ مثل: "المايونيز".



أمَّا السمك، فينضج عندما يدكن لونُه، ويصبح من السَّهل إزالة قِشرته.



إعادة التَّسخين لعدَّة مرَّات: إجراء قد يترافق بتلوُّث إذا لم يتم بشكلٍ صحيح، فعند إعادة تسخين الحساء وما يشبهه يجب أن يَصل إلى دَرجة الغليان؛ ولدى تَسخين الطَّعام المتبقي يجب الاستمرار بِضع دقائق بعد بلوغ درجة كافِية (وسطيًّا 75 درجة مئوية).



إزالة التثليج غير الآمن: قاعدة هامة: يمنع وضع الطَّعام المثلَّج في حرارة المطبخ وتركه لساعات: وأسلم طريقة لإذابة الجَليد عن الغذاء هي نَقله من مكان التثليج إلى البرَّاد العادي، كما أنَّ وضعه تحت تيَّار ماء بارِد يزيل الجليد عنه بأمان.



وبناء على ما سبق؛ من الأسلَم في مناطق انقطاع التيَّار الكهربائي العودة لطُرق الحفظ القديمة؛ كالتَّجفيف، والتخليل، والمربيات، وكذلك الطَّبخ قَدر الحاجة أولاً بأول.



ولا ننسَ أنَّه غالبًا ما يكمن أكثر من سببٍ ممَّا ذُكر وراء وقوع التلوُّث وحالة التفشِّي المرَضي التالية له، فعلى سبيل المثال: قد يُتْرَك الطَّعام في درجة حرارة المنزل لساعاتٍ عديدةٍ، ممَّا يسمح بتكاثر الكائن الممرِض كالجراثيم (البكتريا)، التي تتجمَّع بالألوف أو الملايين، ثمَّ يأتي دور الطهي الناقص غير القاتِل لها، الأمر الذي يسبِّب إصابة مَن يتناولها! (وسيتَّضح المزيد عن عوامل التفشِّي في حديثنا عن الوقاية).



وإنَّ ما سبق شَرحه يَنطبق على جميع الأمراض المنتقلة بالغذاء الملوَّث، فيرجع له القارئ مع كلِّ حلقة من حلقات البَحث؛ لصعوبة تكرار تلك المعلومات، ونبدأ بأوَّلها بعون الله:

أولاً- التسمُّم الغذائي:

أ- الشكل العام للإصابة: يكون البدء غالبًا بنوبٍ متكرِّرة من الإقياء، قد تشتدُّ وتتواصل لدرجَة مرهِقة، وتلفِظ المعدةُ المتشنِّجة أيَّ سائل يُبتلَع؛ ويحدث إسهالٌ متكرر، وهو غالبًا مائي القوام يسبقه أو يترافَق معه ألَم بطني شديد، وقد ترتفع الحرارة وتتجاوز (38.5 درجة مئوية)، وكل ذلك عندما يستمر أكثر من يومين قد يؤدِّي لنقص سَوائل وأملاح الجِسم وللجفاف بأعراضه المعروفَة؛ كالعطش، وجفاف الأغشية المخاطيَّة، والوهن العام، ونقص طَرح البول...



ب- الشكل الشَّديد: عندما تكون الخسارة سرِيعة وبالِغة في الماء والأملاح والمعادِن لا سيما عند الأطفال الرضَّع والمسنِّين، يعاني المصابُ - مع ما سبق - من الدوخة والشعور بخفَّة الرَّأس، وصعوبة البَلع والكلام، مع الرؤية المزدوجَة (الشفع)... ومن ثمَّ ضعف العضلات ليقَع مغشيًّا عليه، وفي بعض الحالات يصبح الإقياء مدمى، وكذلك البراز...



وتكون الأعراض أسوأ في الفئات عالِية الخطورة التي ذَكرناها، فالإنسان الصَّحيح عادة يَشرب بشكل جيِّد معوِّضًا الخسارة، ولكن المسنِّين والأطفال (الرضَّع والمدنفين) والحوامل لا يَفعلون، وتكون آليات المعاوَضة لديهم ناقِصة الكفاءة؛ لذا قد يكون الجفاف مميتًا للأطفال لا سيما وأنَّ الأهل لا يمكنهم تَقدير حقيقة وَضع الطفل! كما أنَّ بعض التسمُّمات تُحدث إسقاطًا عند المرأة الحامِل أو تأذيًا للجنين.



لذلك لا بدَّ من التقويم الطِّبي المبكِّر عند تلك الفئات، وهو لازمٌ حتمًا منذ البدء كلَّما كان الطِّفل أصغر.



وقد ينتشر التلوُّث من المصاب للسَّليم بالمفرغات والمفرزات (البول والبراز والإقياء)، فيجب التَّركيز على تطهير الأيدي.



التدبير:

يوصى المصابُ بالتسمُّم الغذائي بالتوقُّف عن أيِّ طعامٍ أو شراب لساعات قَليلة، يمصُّ خلالَها قطعَ الماء المثلَّج أو يبتلعها؛ ثمَّ يشرع بتناول السَّوائل المتنوعة المنزليَّة (الخالية من الكافيين)، وبكمِّيات تزاد تدريجيًّا: وأحسنها الماء، والعسل السائل (المخلوط بالماء الصَّافي)، ومغليُّ النعناع المحلَّى بقليل من العسل، وعصير التفَّاح الممدد بالماء، والحساء الخالي من الدَّسم؛ بمعدَّل (8 - 16) كأسًا في اليوم للإنسان العادي... ويفضَّل إعطاء المحالِيل الملحيَّة الطبيَّة (محاليل الإماهة) المتوفِّرة صيدلانيًّا والمزوَّدة بالأملاح وسكَّر العنب (الغلوكوز)، لا سيَّما للأطفال، وبالنسبة للرضَّع الذين هم على إرضاع والدي، فيجب الاستمرارُ عليه، بل والإكثار منه؛ فحليب الأمِّ أنجع حمية على الإطلاق، وهو غذاءٌ، ودواء، وحياة لهم...



ويمكن الاكتفاء بالسَّوائل لبضع ساعاتٍ بعد بدء الأعراض، تتناوب الحُلوة منها؛ كعصير التفاح أو الماء المحلَّى بالعسل، والمالِحة (كالمرق أو الحساء)، ولا يحسن إطالة الحمية، بل يبكِّر المصاب المتحسِّن بتناول الطَّعام الخفيف، ولكن يتوقَّف عنه إذا عاوده الغثيانُ.. ويفيد اللَّبن الرَّائب كثيرًا في هذه المرحلة، كذلك يجب الاستمرار في تجنُّب الأطعِمة الثَّقيلة حتى التحسُّن الصَّريح، وتؤكِّد المصادر الغربيَّة أنَّه من المهمِّ جدًّا تجنُّب الكحول والنيكوتين والكافيين لمَنع التطوُّر للأسوأ... بينما نؤكِّد نحن على ضرورة الامتناع التَّام عن تناول الأولين، وقطعيًّا عن تناول الكحول ليس فقط لعلاج هذا المرَض؛ بل طاعة لمَن هو أعلم بما يداوينا وما يمرِضنا على جميع أحوالنا.. سبحانه وله الحمد!



ومن التوصيات العامَّة الرَّاحة بالسَّرير، وعدم تناوُل الأدوية الموقِفة للإسهال التي تُبطئ انفراغ الأمعاء وطرح الجراثيم والسُّموم من الجسم، ممَّا يسيء للحالة العامَّة للمريض ويؤخِّر الشِّفاء.



ويقتضي تَدبير بعض الحالات الإشراف الطِّبي المبكِّر في المشفى بما فيه إعطاء سوائل وريديَّة وأملاح، ومعالجات نوعيَّة كالمضادَّات الحيويَّة، وتدبير الاختلاطات، ومنها الفشل الكلوي الحادُّ الذي قد يتطوَّر في الحالات الخَطِرة.. وتحديد أَدوية وتغذية ما بعد التحسُّن.. كما تُجمِع المصادرُ على ضرورة تَبليغ الجهات المختصَّة عن حوادث التسمُّم والمصدر المرجح للتلوث لاتِّخاذ ما يلزم.



الوقاية:

نظريًّا فإنَّ التسمُّم الغذائي - لا سيَّما داخل المنازل - يمكن الوقاية منه بنسبة 100%، حسب المراجع العلميَّة المعتمَدة.



وأركِّز على التعليمات الوقائيَّة العامَّة التي قد تُنسى رغم بداهتها:

ضرورة غسل اليدين بالماء الحارِّ والصَّابون: قبل وبعد تناول الطَّعام (والأول أهم)، أو التعامُل به بيعًا، وتحضيرًا، ونقلاً، وغَسلهما بعد الخروج من بَيت الخلاء، وبعد تَنظيف الأطفال، وبعد مُلامسة الحيوانات الألِيفة.



عدم خَلْط عبوَّات الأطعمة خِلال النَّقل والحفظ؛ حيث يَنبغي فصل الطعام النيء الذي نَنوي طبخه؛ (كاللَّحم النيء ومنتجات الدَّواجن والأسماك والبيض) وما يُشبه هذه الأصناف، وما يسيل منها - عن الطعام الذي يُؤكل مباشرة (كالسَّلطات).. حتى أثناء التسوُّق أو على منضدة تحضير الطَّعام.



غسل لوح تَقطيع اللَّحم أو الخضار، وغسل الأَواني وبقيَّة أدوات تَحضير الطَّعام بالماء السَّاخن والصَّابون بعد كلِّ عمليَّة تحضيرٍ لنوعٍ من أنواع الطَّعام، وقبل تَحضير النَّوع التالي، وبالأخص عند الانتقال من تَحضير اللَّحم والبيض إلى تَحضير الخضار والفواكِه التي تُؤْكَل دون طَهي؛ والأفضل استخدام لَوحين؛ لوح لتقطيع اللَّحم، وآخر للخُضَر.



من المهمِّ نَقْعُ الخضار والفواكه التي تُؤكل نيئةً في الماء النَّظيف (الجاري من الصنبور)، ويمكن إضافة الملح له، ومن الممكن استخدام فرشاةٍ صغيرةٍ لإزالة ما علق عليها من تراب.



وتُنصح ربَّة المنزل والطُّهاة بعدم الطهي باستخدام الميكرويف؛ حيث تبقى مناطِق غير ناضِجة من محتوى وعاء الطَّهي، وبتجزئة الطَّبخة الكبيرة إلى أوعيةٍ أقل عُمقًا لتبرد بسرعة في البراد؛ وبألاَّ تكثر من الأشياء في البراد كي يمرَّ الهواءُ البارد وينتشر بين الأرفُف والأقسام ويضمن برودَة الطَّعام وسلامته؛ لأنَّ تبريد الطَّعام بسرعة عَمل مهمٌّ لمنع التلوُّث.



وبعد:

ففي الختام: نحمد اللهَ تعالى على أنَّ الطَّهارة العامَّة بما فيها طَهارة الأيدي هي من سِمات المسلِم طَوالَ يومه من خلال عباداته المتكرِّرة، وأنَّ التنزُّه من التلوُّث بالمفرغات والمفرزات هو من أركان تِلك العبادات، والتي تبرز أهميَّتها عندما نَعلم أن مقدارًا ضئيلاً (غرام واحد) من البول أو البراز لإنسانٍ عاديٍّ فيه وسطيًّا عشرة ملايين فيروس، ومليون من الجراثيم.



ونذكِّر أنفسنا:

أنَّه من غير المستحبِّ حفظُ الأغذية بكَثرة فوق طاقة الاستهلاك للأسرَة، وجعلها تتراكَم وقد تَفسد، ويُنصح في مناطق تكرُّر انقطاع التيَّار الكهربائي لمدد طويلة بالعَودة للطُّرق القديمة للحِفظ كما أشرتُ.



وأنَّ المشكلة قد تَتجاوز الأفرادَ لتأخذ شكلَ إصابة جماعيَّة حينما تتعلَّق بالصناعات الغذائيَّة؛ سواء من المَنشأ، أو خلال النَّقل والعرض، أو الحفظ العام والتقديم؛ وهذا كلُّه مناطُ الجودة والصلاحِية فيه خوفُ وتقوى الله تعالى، وهو الضَّمانة لعدم الغشِّ.



وهو أمضى من القوانين الوضعيَّة، والتواريخ المطبوعة على العبوَّات، والتي لا تبين مثلاً تلوثًا حصل لمنتَجٍ غذائيٍّ خلال التعبئة مثلاً وتمَّ السكوتُ عليه، كما سنرى في الحلقات التَّالية من البحث بإذن الله.



وسبحان الله العليم الخبير...





[1] تطلق كلمة "outbreak = الفاشية" عادة على حالات التسمم الغذائي - مالم يشر لغير ذلك - وهي تعني وباء محليًّا في منطقة محددة وفي زمن محدد، بينما يستعمل مصطلح الوباء epdemic لجميع الأمراض المعدية، ويطلق على انتشار المرض عندما ترتفع معدلات حدوثه بوضوح عن الوضع المعتاد في منطقة معينة مقارنة بالفترات السابقة.




[2] منشورات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية في أتلانتا في الولايات المتحدة


the US Centers for Disease Control and Prevention=CDC




[3] منشورات إدارة سلامة الغذاء التابعة لمنظمة الصحة العالمية.

Each year, foodborne diseases cause illness in 1 in 6 Americans (or about 48 million people), resulting in about 128,000 hospitalizations and 3,000 deaths











المصدر...


الساعة الآن 08:16 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM