مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 35)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 34)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=346923 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وثلاثين وفيها كان مقتل عثمان ررر وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاص حين عزله عثمان عن مصر , ووولى عَلَيْهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. وَكَانَ سَبَبُ عزل عمرو بن العاص أَنَّ الْخَوَارِجَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ كَانُوا مَحْصُورِينَ مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , مَقْهُورِينَ مَعَهُ , لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِسُوءٍ في خليفةٍ ولا أمير , فما زالوا حتَّى شَكَوْهُ إِلَى عُثْمَانَ لِيَنْزِعَهُ عَنْهُمْ , وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ مَنْ هُوَ أَلْيَنُ مِنْهُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ , حَتَّى عَزَلَ عثمانُ عَمْرًا عَنِ الْحَرْبِ , وَتَرَكَهُ عَلَى الصَّلَاةِ , وَوَلَّى عثمانُ عَلَى الْحَرْبِ وَالْخَرَاجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ. ثُمَّ سَعَوْا فِيمَا بَيْنَهُمَا ( عمرو , وابن أبي سرح ) بِالنَّمِيمَةِ , فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا , حَتَّى كَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ قَبِيحٌ . فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ فَجَمَعَ لِابْنِ أَبِي سَرْحٍ جَمِيعَ عِمَالَةِ مِصْرَ , خَرَاجَهَا وَحَرْبَهَا وَصَلَاتَهَا , وَبَعَثَ عُثْمَانُ إِلَى عَمْرٍو يَقُولُ لَهُ : لَا خَيْرَ لَكَ فِي الْمَقَامِ عِنْدَ مَنْ يَكْرَهُكَ , فَاقْدُمْ إِلَيَّ , فَانْتَقَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَةِ , وَفِي نَفْسِهِ مِنْ عُثْمَانَ أمرٌ عَظِيمٌ , وشرٌ كَبِيرٌ , فَكَلَّمَهُ عَمْرٌو فِيمَا كَانَ بِنَفْسه مِنْ أَمْرِ , وَتَقَاوَلَا فِي ذَلِكَ , وَافْتَخَرَ عمرو بن العاص بأبيه على عُثْمَانَ , وَأَنَّهُ كَانَ أَعَزَّ مِنْهُ. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : دَعْ هَذَا , فَإِنَّهُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ . وجعل عمرُو بن العاص يؤلِّبُ النَّاسَ عَلَى عُثْمَانَ . وَكَانَ بِمِصْرَ جَمَاعَةٌ يُبْغِضُونَ عُثْمَانَ , وَيَتَكَلَّمُونَ فِيهِ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَا , وَيَنْقِمُونَ عَلَيْهِ فِي عَزْلِهِ جَمَاعَةً مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةِ , وَتَوْلِيَتِهِ مَنْ هو دُونَهُمْ , أَوْ مَنْ لَا يَصْلُحُ عِنْدَهُمْ لِلْوِلَايَةِ . وَكَرِهَ أَهْلُ مِصْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بَعْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ , وَاشْتَغَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ عَنْهُمْ بِقِتَالِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ , وَفَتْحِهِ بِلَادَ الْبَرْبَرِ وَالْأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ. وَنَشَأَ بِمِصْرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ يُؤَلِّبُونَ النَّاسَ عَلَى حَرْبِهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ , وَكَانَ عُظْمُ ذَلِكَ مُسْنَدًا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُذَيْفَةَ , حَتَّى اسْتَنْفَرَا نَحْوًا مِنْ سِتِّمِائَةِ رَاكِبٍ يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي صِفَةِ مُعْتَمِرِينَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ , لِيُنْكِرُوا عَلَى عُثْمَانَ , فَسَارُوا إِلَيْهَا تحت أربع رِفاق , وأمر الجميع إلى عَمْرِو بْنِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيِّ , وَعَبْدِ الرحمن بن عديس البلوي , وكنانة بن بشر التُّجِيبِيِّ , وَسَوْدَانَ بْنِ حُمْرَانَ السَّكُونِيِّ. وَأَقْبَلَ مَعَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ , وَأَقَامَ بِمِصْرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ يُؤَلِّبُ النَّاسَ , وَيُدَافِعُ عَنْ هَؤُلَاءِ . وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْن سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إِلَى عُثْمَانَ يُعْلِمُهُ بِقُدُومِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِلَى الْمَدِينَةِ , مُنْكِرِينَ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ مُعْتَمِرِينَ . فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنَ الْمَدِينَةِ , أَمَرَ عُثْمَانُ عليَّ بن أَبِي طَالِبٍ ررر أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ في رَكْبٍ من المُهاجرين والأنصار لِيَرُدَّهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ , قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ. فخَرَجَ مَعَهُ جَمَاعَةُ من الْأَشْرَافِ , فيهم سعيد بن زيد , وأبو الجهم العدوي , وجبير بن مطعم , وحكيم بن حزام ومروان بن الحكم , وعبد الرحمن بن عتَّاب بن أسيد , وأبو أسيد الساعدي , وزيد بن ثابت , وحسان بن ثابت وكعب بن مالك , ونيار بن مكرز , وغيرهم . وَأَمَرَ عُثْمَانُ عليًّا أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ ررر فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَمَّارٍ , فَأَبَى عَمَّارٌ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ. فَبَعَثَ عُثْمَانُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى عَمَّارٍ لِيُحَرِّضَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَ عَلِيٍّ إِلَيْهِمْ , فَأَبَى عَمَّارٌ كُلَّ الْإِبَاءِ , وَامْتَنَعَ أشدَّ الامتناع , وكان عَمَّارٌ متغضباً على عثمان , بسبب تأديبه له فيما تقدم عَلَى أمرٍ , وَضَرْبِهِ إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ , وَذَلِكَ بِسَبَبِ شَتْمِهِ عَبَّاسَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ , فَأَدَّبَهُمَا عُثْمَانُ , فَتَآمَرَ عَمَّارٌ عَلَيْهِ لِذَلِكَ , وجعل يُحرِّضُ الناسَ عليه , فَنَهاه سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ ررر عَنْ ذَلِكَ , وَلَامَهُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يُقْلِع عَنْهُ , وَلَمْ يَرْجِعْ , وَلَمْ يَنْزِعْ , فَانْطَلَقَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَيْهِمْ وَهُمْ بالجُحفة , وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ وَيُبَالِغُونَ فِي أَمْرِهِ , فَرَدَّهُمْ وَأَنَّبَهُمْ وَشَتَمَهُمْ , فَرَجَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ , وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي تُحَارِبُونَ الْأَمِيرَ بِسَبَبِهِ , وَتَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِهِ . وَيُقَالُ : إِنَّهُ نَاظَرَهُمْ فِي عُثْمَانَ , وَسَأَلَهُمْ مَاذَا يَنْقِمُونَ عَلَيْهِ , فَذَكَرُوا أَشْيَاءَ , مِنْهَا : أنَّه حَمَى الْحِمَى , وأنه حَرَقَ الْمَصَاحِفَ , وَأَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ بمنى , وَأَنَّهُ وَلَّى الْأَحْدَاثَ الْوِلَايَاتِ , وَتَرَكَ الصَّحَابَةَ الْأَكَابِرَ , وَأَعْطَى بَنِي أُمَيَّةَ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ فَأَجَابَ عَلِيٌّ عَنْ ذَلِكَ : أَمَّا الْحِمَى , فَإِنَّمَا حَمَاهُ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ لِتَسْمَنَ , وَلَمْ يَحْمِهِ لِإِبِلِهِ وَلَا لِغَنَمِهِ , وَقَدْ حَمَاهُ عُمَرُ مِنْ قَبْلِهِ . وَأَمَّا الْمَصَاحِفُ , فَإِنَّمَا حَرَقَ مَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ , وَأَبْقَى لَهُمُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ , كَمَا ثَبَتَ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ , وَأَمَّا إِتْمَامُهُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ , فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تَأَهَّلَ بِهَا , وَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَتَمَّهَا , وَأَمَّا تَوْلِيَتُهُ الْأَحْدَاثَ , فَلَمْ يُوَلِّ إِلَّا رَجُلًا سَوِيًّا عَدْلًا , وَقَدْ وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَتَّابَ بْنَ أُسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ , وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً , وَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ , وَطَعَنَ النَّاس فِي إِمَارَتِهِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لخليق بالإمارة " وَأَمَّا إِيثَارُهُ قَوْمَهُ بَنِي أُمَيَّةَ , فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى النَّاسِ , وَوَاللَّهِ لَوْ أَنَّ مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ بِيَدِي لَأَدْخَلْتُ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَيْهَا . وَيُقَالُ : إِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فِي عَمَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , فَذَكَرَ عُثْمَانُ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ , وَأَنَّهُ أَقَامَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي إِيوَائِهِ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ , وَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ , فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم كَانَ قَدْ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ , ثُمَّ رَدَّهُ , ثُمَّ نَفَاهُ إِلَيْهَا , قَالَ : فَقَدْ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَدَّهُ . ورُوي أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ النَّاسَ بِهَذَا كُلِّهِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَجَعَلَ يَسْتَشْهِدُ بِهِمْ , فَيَشْهَدُونَ لَهُ فِيمَا فِيهِ شَهَادَةٌ لَهُ . وَيُرْوَى أَنَّهُمْ بَعَثُوا طَائِفَةً منهم فَشَهِدُوا خُطْبَةَ عُثْمَانَ هَذِهِ , فَلَمَّا تَمَهَّدَتِ الْأَعْذَارُ , وَانْزَاحَتْ عِلَلُهُمْ , وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شُبْهَةٌ , أَشَارَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى عُثْمَانَ بِتَأْدِيبِهِمْ فَصَفَحَ عُثْمَانُ عنهم , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَرَدَّهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ , فَرَجَعُوا خَائِبِينَ مِنْ حَيْثُ أَتَوْا , وَلَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمَّا كَانُوا أَمَّلُوا وَرَامُوا , وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ , فَأَخْبَرَهُ بِرُجُوعِهِمْ عَنْهُ , وَسَمَاعِهِمْ مِنْهُ , وَأَشَارَ عَلَى عُثْمَانَ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ خُطْبَةً يَعْتَذِرُ إِلَيْهِمْ فِيهَا مِمَّا كَانَ وَقَعَ مِنَ الْأَثَرَةِ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ , وَيُشْهِدُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ , وَأَنَابَ إِلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سِيرَةِ الشَّيْخَيْنِ قَبْلَهُ , وَأَنَّهُ لَا يَحِيدُ عَنْهَا , كَمَا كَانَ الْأَمْرُ أَوَّلًا فِي مُدَّةِ سِتِّ سِنِينَ الْأُوَلِ , فَإِنَّ الْبِلَادَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَيْكَ , وَلَا آمَنُ رِكْباً آخَرِينَ يَقْدَمُونَ مِنْ قِبَلِ الْكُوفَةِ , فَتَقُولُ: يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ , وَيَقْدَمُ آخَرُونَ مِنَ الْبَصْرَةِ , فَتَقُولُ: يَا عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ , فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ , قَطَعْتُ رَحِمَكَ , وَاسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ. فَاسْتَمَعَ عُثْمَانُ هَذِهِ النَّصِيحَةَ , وَقَابَلَهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَخَطَبَ النَّاسَ , رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ , وَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ , اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ مِمَّا كَانَ مِنِّي , وَأَرْسَلَ عَيْنَيْهِ بِالْبُكَاءِ , فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ أَجْمَعُونَ , وَحَصَلَ لِلنَّاسِ رِقَّةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى إِمَامِهِمْ , وَأَشْهَدَ عُثْمَانُ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ , وَأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ , أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , وَأَنَّهُ قَدْ سَبَّلَ بَابَهُ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ , لَا يَمْنَعُ أحد مِنْ ذَلِكَ , فَقَامَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ررر فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! اللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ ! فَأَتْمِمْ عَلَى مَا قُلْتَ . ثم نَزَلَ عثمانُ فصلَّى بالنَّاس , ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ , وَجَعَلَ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ أَوْ سُؤَالٍ , لَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةً. فَجَاءَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , فَقَالَ : أَتَكَلَّمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ أَصْمُتُ ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ - نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةُ - مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ : بَلِ اصْمُتْ , فَوَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَقَاتِلُوهُ , وَلَقَدْ قال عُثْمَانُ مَقالةً لا ينبغي له النُّزُوعُ عَنْهَا . فَقَالَ لَهَا مَرْوَانُ : وَمَا أَنْتِ وَذَاكَ ! فوالله لقد مات أبوك وما يحسن أن يَتَوَضَّأُ . فَقَالَتْ لَهُ: دَعْ ذِكْرَ الْآبَاءِ , وَنَالَتْ مِنْ أَبِيهِ الْحَكَمَ , فَأَعْرَضَ عَنْهَا مَرْوَانُ . وَقَالَ لِعُثْمَانَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَتَكَلَّمُ أَمْ أَصْمُتُ ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : بَلْ تَكَلَّمْ , فَقَالَ مَرْوَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي , لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَكَ هَذِهِ كانت وأنت مُمتنع مَنِيعٌ , فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِيَ بِهَا وَأَعَانَ عليها , ولكنكَ قلتَ ما قلتَ حين جاوزَ الحزامُ الطبيين , وبلغَ السيل الزُّبا , وَحِينَ أَعْطَى الْخُطَّةَ الذَّلِيلَةَ الذَّلِيلُ , وَاللَّهِ لَإِقَامَةٌ عَلَى خَطِيئَةٍ يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا , خَيْرٌ مِنْ تَوْبَةٍ عَلَى خوفٌ , وَإِنَّكَ لَوْ شِئْتَ لَعَزَمْتَ التَّوْبَةَ , وَلَمْ تُقَرِّرْ لَنَا بِالْخَطِيئَةِ , وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْكَ عَلَى الْبَابِ مِثْلُ الْجِبَالِ مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ عُثْمَانُ : قم فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَكَلِّمْهُمْ , فَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أُكَلِّمَهُمْ , قَالَ: فَخَرَجَ مَرْوَانُ إِلَى الْبَابِ وَالنَّاسِ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ , كَأَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ , شَاهَتِ الْوُجُوهُ , كُلُّ إِنْسَانٍ آخِذٌ بِأُذُنِ صَاحِبِهِ , جِئْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزِعُوا مُلْكَنَا مِنْ أَيْدِينَا , اخْرُجُوا عَنَّا , أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رُمْتُمُونَا لِيُمُرَّنَّ عَلَيْكُمْ أَمْرٌ يَسُوؤُكم , وَلَا تَحْمَدُوا غِبَّهُ , ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ , فَوَاللَّهِ ما نحن بِمَغْلُوبين على ما بِأَيْدينا , قَالَ : فَرَجَعَ النَّاسُ , وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ حَتَّى أَتَى عَلِيًّا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ , فَجَاءَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ , فَقَالَ: أَمَا رَضِيتَ مِنْ مَرْوَانَ , وَلَا رَضِيَ مِنْكَ إِلَّا بِتَحْوِيلِكَ عَنْ دِينِكَ وَعَقْلِكَ ؟! , وَإِنَّ مَثَلَكَ مِثْلُ جَمَلِ الظَّعِينَةِ , سَارَ حَيْثُ يُسَارُ بِهِ , وَاللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِي رَأْيٍ فِي دِينِهِ وَلَا نَفْسِهِ , وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ سَيُورِدُكَ ثُمَّ لَا يُصْدِرُكَ , وَمَا أَنَا بِعَائِدٍ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا لِمُعَاتَبَتِكَ , أَذْهَبْتَ سُوقَكَ , وَغُلِبْتَ عَلَى أَمْرِكَ . فَلَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ , دَخَلَتْ نَائِلَةُ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَتْ : أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ ؟ فَقَالَ : تَكَلَّمِي , فَقَالَتْ : سَمِعْتُ قَوْلَ عَلِيٍّ أنَّه لَيْسَ يُعَاوِدُكَ , وَقَدْ أَطَعْتَ مَرْوَانَ حَيْثُ شَاءَ , قَالَ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ قَالَتْ : تَتَّقِي اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَتَتَّبِعُ سُنَّةَ صَاحِبَيْكَ مِنْ قَبْلِكَ , فَإِنَّكَ مَتَى أَطَعْتَ مَرْوَانَ قَتَلَكَ , وَمَرْوَانُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا هَيْبَةٌ وَلَا مَحَبَّةٌ , فَأَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ , فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً مِنْكَ , وَهُوَ لَا يُعْصَى. قَالَ : فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ , وَقَالَ : لَقَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي لَسْتُ بِعَائِدٍ . قَالَ : وَبَلَغَ مَرْوَانَ قَوْلُ نَائِلَةَ فِيهِ , فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ : أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ ؟ فَقَالَ : تكلَّم , فَقَالَ : إنَّ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ... فَقَالَ عُثْمَانُ : لا تَذْكُرْها بِحَرفٍ فَأَسُوءَ إلى وَجْهِكَ , فَهِيَ وَاللَّهِ أَنْصَحُ لِي مِنْكَ. قَالَ: فكفَّ مروانُ . |
الساعة الآن 06:22 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM