مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 31)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 30)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...=1#post2140429 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وثلاثين فَفِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ الصَّوَارِي , وَغَزْوَةُ الْأَسَاوِدَةِ فِي الْبَحْرِ. وَمُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان قد جمع الشامَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ررر لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَته , وَقَدْ أَحْرَزَهُ معاوية غَايَةَ الْحِفْظِ , وَحَمَى حَوْزَتَهُ , وَمَعَ هَذَا , لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ غَزْوَةٌ فِي بِلَادِ الرُّومِ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ , وَلِهَذَا يُسَمُّونَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ : الصَّائِفَةَ , فَيَقْتُلُونَ خَلْقًا , وَيَأْسِرُونَ آخَرِينَ , وَيَفْتَحُونَ حُصُونًا , وَيَغْنَمُونَ أَمْوَالًا , وَيُرْعِبُونَ الْأَعْدَاءَ . فَلَمَّا أَصَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْفِرِنْجِ وَالْبَرْبَرِ بِبِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ , حَمِيَتِ الرُّومُ , وَاجْتَمَعَتْ عَلَى قُسْطَنْطِينَ بْنِ هِرَقْلَ , وَسَارُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي جَمْعٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ مُنْذُ كَانَ الْإِسْلَامُ , خَرَجُوا فِي خَمْسِمِائَةِ مَرْكَبٍ , وَقَصَدُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَرْحٍ فِي أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ , فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ , بَاتَ الرُّومُ يقسقسون ويصلبون , وبات المسلمون يقرأون وَيُصَلُّونَ , فَلَمَّا أَصْبَحُوا , صَفَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ أَصْحَابَهُ صُفُوفًا فِي الْمَرَاكِبِ , وَأَمَرَهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ , قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ: فَأَقْبَلُوا إِلَيْنَا فِي أَمْرٍ لَمْ يُرَ مثلُه من كَثْرة المَراكب , وعقدوا صَوَارِيهَا , وَكَانَتِ الرِّيحُ لَهُمْ وَعَلَيْنَا , فَأَرْسَيْنَا , ثُمَّ سَكَنَتِ الرِّيحُ عَنَّا , فَقُلْنَا لَهُمْ: إِنْ شِئْتُمْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ إِلَى الْبَرِّ , فَمَاتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا وَمِنْكُمْ , قَالَ: فَنَخِرُوا نَخرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ , وَقَالُوا: الْمَاءَ , الْمَاءَ , قَالَ: فَدَنَوْنَا مِنْهُمْ , وَرَبَطْنَا سُفُنَنَا بِسُفُنِهِمْ , ثُمَّ اجْتَلَدْنَا وَإِيَّاهُمْ بِالسُّيُوفِ , يَثِبُ الرِّجَالُ عَلَى الرِّجَالِ بِالسُّيُوفِ وَالْخَنَاجِرِ , وَضَرَبَتِ الْأَمْوَاجُ فِي عُيُونِ تِلْكَ السُّفُنِ , حَتَّى أَلْجَأَتْهَا إِلَى الساحل , وألقت الامواج جُثَثَ الرِّجَالِ إِلَى السَّاحِلِ , حَتَّى صَارَتْ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ , وَغَلَبَ الدَّمُ عَلَى لَوْنِ الْمَاءِ , وَصَبَرَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ صَبْرًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ قَطُّ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ , وَمِنَ الرُّومِ أَضْعَافُ ذَلِكَ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَهَرَبَ قُسْطَنْطِينُ وَجَيْشُهُ - وَقَدْ قَلُّوا جِدًّا - وبه جِراحات شديدة مكينة , مَكَثَ حِينًا يُدَاوَى مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَأَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ بِذَاتِ الصَّوَارِي أَيَّامًا , ثُمَّ رَجَعَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا مُظَفَّرًا . قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيق , فَأَظْهَرَا عَيْبَ عُثْمَانَ , وَمَا غَيَّرَ , وَمَا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ , وَيَقُولَانِ : دَمُهُ حَلَالٌ , لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَدِ ارْتَدَّ وَكَفَرَ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ , وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُ , وَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أقواماً , واستعملهم عثمان , ونزع أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عامر , فبلغ ذلك عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ , فَقَالَ: لَا تَرْكَبَا مَعَنَا , فَرَكِبَا فِي مَرْكَبٍ مَا فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَلَقُوُا الْعَدُوَّ , فَكَانَا أَنْكَلَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا , فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ , فَقَالَا: كَيْفَ نُقَاتِلُ مَعَ رَجُلٍ لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُحَكِّمَهُ ؟ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ , فنهاهما أشدَّ النهي , وقال: والله لولا أَنِّي لَا أَدْرِي مَا يُوَافِقُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , لَعَاقَبْتُكُمَا وحبَستُكما. قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتْ أَرْمِينِيَةُ عَلَى يَدَيْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ . وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ كِسْرَى مَلِكُ الْفُرْسِ , وَهُوَ يَزْدَجِرْدُ , هَرَبَ مِنْ كِرْمَانَ فِي جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ إِلَى مَرْوَ , فَسَأَلَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهَا مَالًا , فَمَنَعُوهُ وَخَافُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ , فَبَعَثُوا إِلَى التُّرك يستفزُّونهم عَلَيْهِ , فَأَتَوْهُ , فَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ , وَهَرَبَ هُوَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَ رَجُلٍ يَنْقُرُ الْأَرْحِيَةَ عَلَى شَطٍّ , فَأَوَى إِلَيْهِ لَيْلًا , فَلَمَّا نَامَ , قَتَلَهُ , وأَخَذَ مَا كَانَ عَلَيْهِ , وَجَاءَتِ التُّرْكُ فِي طَلَبِهِ , فَوَجَدُوهُ قَدْ قَتَلَهُ وَأَخَذَ حَاصِلَهُ , فَقَتَلُوا ذَلِكَ الرَّجُلَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ , وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَ كِسْرَى , وَوَضَعُوا كِسْرَى فِي تَابُوتٍ , وَحَمَلُوهُ إِلَى إِصْطَخْرَ , وَقَدْ كَانَ يَزْدَجِرْدُ وَطِئَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ مَرْوَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ , فَحَمَلَتْ مِنْهُ , وَوَضَعَتْ بَعْدَ قَتْلِهِ غُلَامًا ذَاهِبَ الشِّقِّ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْغُلَامُ : الْمُخَدَّجُ , وَكَانَ لَهُ نَسْلٌ وَعَقِبٌ فِي خُرَاسَانَ , وَقَدْ سَبَى قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ بِتِلْكَ الْبِلَادِ جَارِيَتَيْنِ مَنْ نَسْلِهِ , فَبَعَثَ بِإِحْدَاهُمَا إِلَى الْحَجَّاجِ , فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ الْمُلَقَّبَ بِالنَّاقِصِ. وَكَانَ مُلْكُ يَزْدَجِرْدَ عِشْرِينَ سَنَةً , مِنْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ فِي دَعَةٍ , وَبَاقِي ذَلِكَ هَارِبًا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ , خَوْفًا مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ , وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِ الْفُرْسِ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْإِطْلَاقِ , لِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ , وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ , " فدعا عليه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقَ كُلَّ مُمَزَّقٍ " , فَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ , وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فَتَحَ عبدُ الله بْنُ عَامِرٍ فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً , كَانَ قَدْ نَقَضَ أَهْلُهَا مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الصُّلْحِ , فَمِنْ ذَلِكَ مَا فَتَحَ عَنْوَةً , وَمِنْ ذَلِكَ مَا فَتَحَ صُلْحًا , فَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَدَائِنِ وَهِيَ : مَرْوُ , عَلَى ألفَيْ ألفٍ , ومائتيْ أَلْفٍ. وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ حَجَّ بِالنَّاسِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. |
الساعة الآن 08:09 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM